أخبار رؤبة ونسبه
  لك لعودة إلينا وعلينا معوّلا، والدهر أطرق(١) مستتبّ، فلا تجعل بجنبيك الأسدة(٢).
  قال رؤبة: فأخذت المنديل منه، وتاللَّه ما رأيت أعجميّا أفصح منه، وما ظننت أحدا يعرف هذا الكلام غيري، وغير أبي.
  قال الكرّاني: قال أبو عثمان الأشناندانيّ خاصة: يقال: اشتفّ ما في الإناء، وشفهه: إذا أتى عليه، وأنشد:
  وكاد المال يشفهه عيالي ... وماذو عيلتي من لا أعول(٣)
  يأكل الفأر ويفضله على الدواجن:
  أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش، قال: حدّثني: محمد بن يزيد، وأخبرني إبراهيم / بن أيوب، قال:
  حدّثني ابن قتيبة، قال:
  كان رؤبة يأكل الفأر، فقيل له في ذلك وعوتب، فقال: هو واللَّه أنظف من دواجنكم ودجاجكم اللواتي يأكلن القذر(٤)، وهل يأكل الفأر إلا نقيّ البرّ ولباب الطعام؟
  يرحل هو وأبوه ليلقيا الوليد بن عبد الملك:
  أخبرني محمد بن الحسن بن دريد، قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة، عن رؤبة، قال: لما ولَّي الوليد بن عبد الملك الخلافة بعث بي الحجاج مع أبي لنلقاه، فاستقبلنا الشّمال حتى صرنا بباب الفراديس(٥).
  قال: وكان خروجنا في عام مخصب، وكنت أصلَّي الغداة، وأجتني من الكمأة(٦) ما شئت، ثم لا أجاوز إلَّا قليلا حتى أرى خيرا منها، فأرمي بها وآخذ الأخر، حتى نزلنا بعض المياه، فأهدي لنا حمل مخرفج(٧) ووطب(٨) لبن غليظ وزبدة كأنها رأس نعجة حوشية(٩)، فقطَّعنا الحمل آرابا(١٠)، وكررنا عليه اللبن والزبدة، حتى إذا بلغ إناه(١١) انتشلنا اللحم بغير خبز.
(١) في ف: «أطرق مستلت»، كأن (أطرق) وصف من طرق، بكسر الراء: إذا اعوج. وكأن مستتب تحريف مستلت، ومستلت وصف من استلت. يقال: استلت القصعة: إذا مسحها بإصبعه. فيكون المعنى أن الدهر لا يستقيم على حال، يعطي ويستلب. وفي «المختار»:
«الطريق مستتب»، ومستتب: واضح. ولا يبدو لها هنا وجه.
(٢) لا تجعل بجنبيك الإساءة: لا يضيقن صدرك، كأنما يوصيه بالاحتمال وحسن المحاولة. وفي «المختار»، مج، مل: «فلا تجعل بيننا وبينك الأسدة» وفي ف: «فلا تجعل بيننا وبينك الأسرة»، والأسرة تحريف.
(٣) ف:
«وصادف عيلي من لا أعول»
(٤) في «المختار»: «يأكلن العذرة».
(٥) باب الفراديس: أحد أبواب دمشق، أضيف إلى موضع قريب منها.
(٦) الكمأة: ضرب من النبات، واحده كمء.
(٧) حمل مخرفج: سمين.
(٨) الوطب: سقاء اللبن.
(٩) حوشية: منسوبة إلى الحوش: بلاد الجن في زعمهم، تنسب إليها الإبل وغيرها.
(١٠) الآراب: جمع إرب، بكسر فسكون، وهو العضو.
(١١) إناه: الإني: مصدر أني الطعام، كرمى، أدرك. وبلغ إناه: حان أدراكه.