كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار رؤبة ونسبه

صفحة 448 - الجزء 20

  لك لعودة إلينا وعلينا معوّلا، والدهر أطرق⁣(⁣١) مستتبّ، فلا تجعل بجنبيك الأسدة⁣(⁣٢).

  قال رؤبة: فأخذت المنديل منه، وتاللَّه ما رأيت أعجميّا أفصح منه، وما ظننت أحدا يعرف هذا الكلام غيري، وغير أبي.

  قال الكرّاني: قال أبو عثمان الأشناندانيّ خاصة: يقال: اشتفّ ما في الإناء، وشفهه: إذا أتى عليه، وأنشد:

  وكاد المال يشفهه عيالي ... وماذو عيلتي من لا أعول⁣(⁣٣)

  يأكل الفأر ويفضله على الدواجن:

  أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش، قال: حدّثني: محمد بن يزيد، وأخبرني إبراهيم / بن أيوب، قال:

  حدّثني ابن قتيبة، قال:

  كان رؤبة يأكل الفأر، فقيل له في ذلك وعوتب، فقال: هو واللَّه أنظف من دواجنكم ودجاجكم اللواتي يأكلن القذر⁣(⁣٤)، وهل يأكل الفأر إلا نقيّ البرّ ولباب الطعام؟

  يرحل هو وأبوه ليلقيا الوليد بن عبد الملك:

  أخبرني محمد بن الحسن بن دريد، قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة، عن رؤبة، قال: لما ولَّي الوليد بن عبد الملك الخلافة بعث بي الحجاج مع أبي لنلقاه، فاستقبلنا الشّمال حتى صرنا بباب الفراديس⁣(⁣٥).

  قال: وكان خروجنا في عام مخصب، وكنت أصلَّي الغداة، وأجتني من الكمأة⁣(⁣٦) ما شئت، ثم لا أجاوز إلَّا قليلا حتى أرى خيرا منها، فأرمي بها وآخذ الأخر، حتى نزلنا بعض المياه، فأهدي لنا حمل مخرفج⁣(⁣٧) ووطب⁣(⁣٨) لبن غليظ وزبدة كأنها رأس نعجة حوشية⁣(⁣٩)، فقطَّعنا الحمل آرابا⁣(⁣١٠)، وكررنا عليه اللبن والزبدة، حتى إذا بلغ إناه⁣(⁣١١) انتشلنا اللحم بغير خبز.


(١) في ف: «أطرق مستلت»، كأن (أطرق) وصف من طرق، بكسر الراء: إذا اعوج. وكأن مستتب تحريف مستلت، ومستلت وصف من استلت. يقال: استلت القصعة: إذا مسحها بإصبعه. فيكون المعنى أن الدهر لا يستقيم على حال، يعطي ويستلب. وفي «المختار»:

«الطريق مستتب»، ومستتب: واضح. ولا يبدو لها هنا وجه.

(٢) لا تجعل بجنبيك الإساءة: لا يضيقن صدرك، كأنما يوصيه بالاحتمال وحسن المحاولة. وفي «المختار»، مج، مل: «فلا تجعل بيننا وبينك الأسدة» وفي ف: «فلا تجعل بيننا وبينك الأسرة»، والأسرة تحريف.

(٣) ف:

«وصادف عيلي من لا أعول»

(٤) في «المختار»: «يأكلن العذرة».

(٥) باب الفراديس: أحد أبواب دمشق، أضيف إلى موضع قريب منها.

(٦) الكمأة: ضرب من النبات، واحده كمء.

(٧) حمل مخرفج: سمين.

(٨) الوطب: سقاء اللبن.

(٩) حوشية: منسوبة إلى الحوش: بلاد الجن في زعمهم، تنسب إليها الإبل وغيرها.

(١٠) الآراب: جمع إرب، بكسر فسكون، وهو العضو.

(١١) إناه: الإني: مصدر أني الطعام، كرمى، أدرك. وبلغ إناه: حان أدراكه.