كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار رؤبة ونسبه

صفحة 449 - الجزء 20

  ثم شربت من مرقه شربة لم تزل لها ذفرياي⁣(⁣١) ترشحان؛ حتى رجعنا إلى حجر⁣(⁣٢).

  فكان أول من لقينا من الشعراء جريرا، فاستعهدنا ألا نعين عليه. فكان أول / من أذن له من الشعراء أبي ثم أنا، فأقبل الوليد على جرير فقال له: ويلك! ألا تكون مثل هذين؟ عقدا الشّفاه عن أعراض الناس، فقال: إني أظلم فلا أصبر⁣(⁣٣).

  ثم لقينا بعد ذلك جرير فقال: يا بني أمّ العجّاج، واللَّه لئن وضعت كلكلي عليكما ما أغنت عنكما مقطَّعاتكما، فقلنا: لا واللَّه ما بلغه عنا شيء، ولكنه حسدنا لما أذن لنا قبله، واستنشدنا قبله.

  يتوعد جرير أباه فيعتذر إليه:

  وقد أخبرني ببعض هذا الخبر الحسن بن عليّ، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدّثني أحمد ابن الحارث الخرّاز عن المدائنيّ، قال: قال روح بن فلان الكلبيّ:

  كنت عند عبد الملك بن بشر بن مروان فدخل جرير، فلما رأى العجاج أقبل عليه ثم قال له: واللَّه لئن سهرت لك ليلة ليقلَّن عنك نفع مقطعاتك هذه، فقال العجاج: يا أبا حزرة، واللَّه ما فعلت ما بلغك، وجعل يعتذر ويحلف ويخضع؛ فلما خرج قال له رجل: لشدّ ما اعتذرت إلى جرير، قال: واللَّه لو علمت أنه لا ينفعني إلَّا السّلاح لسلحت.

  ليس في شعره ولا شعر أبيه حرف مدغم:

  أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، قال: حدثنا عمر بن شبّة، عن أحمد بن معاوية عن الأصمعيّ، عن سليمان بن أخضر، عن ابن عون، قال: ما شبّهت لهجة الحسن البصريّ إلَّا بلهجة رؤبة، ولم يوجد له ولا لأبيه في شعرهما حرف مدغم قطَّ.

  هو وأبوه أشعر الناس عند يونس بن حبيب:

  أخبرني محمد بن الحسن بن دريد، قال: أخبرني عبد الرحمن بن أخي الأصمعيّ عن عمه، قال: قيل ليونس:

  من أشعر الناس، قال: العجاج ورؤبة، فقيل له لم⁣(⁣٤) / ولم نعن الرّجاز؟ فقال: هما⁣(⁣٥) أشعر من أهل القصيد⁣(⁣٦)، إنما الشعر كلام: فأجوده أشعره، قد قال العجاج:

  قد جبر الدّين الإله فجبر

  وهي نحو من مائتي بيت موقوفة القوافي ولو أطلقت قوافيها كانت كلها منصوبة، وكذلك عامة أراجيزهما.

  يقعد اللغويون إليه يوم الجمعة:

  أخبرني أبو خليفة في كتابه إليّ عن محمد بن سلَّام: عن أبي زيد الأنصاريّ والحكم بن قنبر: قالا:


(١) ذفرياي: مثنى ذفري، بكسر فسكون ففتح، وهو العظم الشاخص خلف الأذن.

(٢) حجر: اسم لغير بلدة وموضع.

(٣) ف: «إني أظلم فأنتصر ولا أصبر».

(٤) في «المختار»: فقيل له: «لم نعن الرجاز».

(٥) كذا في «المختار»، وفي الأصل: «هم»، وهو تحريف.

(٦) في «المختار»: «القصيدة».