كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عمرو بن أبي الكنات

صفحة 455 - الجزء 20

  فعله أيام هشام، وهو أن بعض أصحابنا حدّثني قال: وقف / ابن عائشة في الموسم فمرّ به بعض أصحابه، فقال له:

  ما تعمل؟ فقال: إني لأعرف رجلا لو تكلم لحبس الناس، فلم يذهب أحد ولم يجيء. فقلت له: ومن هذا الرجل؟

  قال: أنا، ثم اندفع يغني:

  صوت

  جرت سنحا فقلت⁣(⁣١) لها أجيزي ... نوى مشمولة فمتى اللقاء

  بنفسي من تذكَّره سقام ... أعالجه ومطلبه عناء

  قال: فحبس الناس، واضطربت المحامل⁣(⁣٢)، ومدّت الإبل أعناقها، وكادت الفتنة تقع، فأتي به هشام فقال:

  يا عدو اللَّه أردت أن تفتن الناس؟ فأمسك عنه وكان تياها، فقال له هشام: أرفق بتيهك⁣(⁣٣). فقال ابن عائشة: حقّ لمن كانت هذه قدرته على القلوب أن يكون تيّاها، فضحك وأطلقه قال فبرق⁣(⁣٤) ابن أبي الكنات، وكان معجبا بنفسه، وقال: أنا أفعل كما فعل، وقدرتي على القلوب أكثر من قدرته كانت، ثم اندفع فغنى في هذا الصوت ونحن على جسر بغداد.

  وكان إذ ذاك على دجلة ثلاثة جسور معقودة، فانقطعت الطرق، وامتلأت الجسور بالناس، وازدحموا عليها، واضطربت حتى خيف عليها أن تتقطع لثقل من عليها من الناس. فأخذ فأتي به الرشيد، فقال: يا عدو اللَّه أردت أن تفتن الناس؟ فقال: لا واللَّه يا أمير المؤمنين، ولكنه بلغني أن ابن عائشة فعل مثل هذا في أيام هشام، فأحببت أن يكون في أيامك مثله فأعجب⁣(⁣٥) من قوله ذلك، وأمر له بمال، وأمره / أن يغني، فسمع شيئا لم يسمع مثله فاحتبسه عنده شهرا⁣(⁣٦) يستزيده في كل يوم استأذنه فيع في الانصراف - يوما آخر حتى تم له شهر⁣(⁣٦) فقال هذا المخبر عنه:

  وكان ابن أبي الكنّات كثير الغشيان لي: فلما أبطأ توهمته قد قتل فصار إليّ بعد شهر بأموال جسيمة، وحدّثني بما جرى بينه وبين الرشيد.

  يسمع غناؤه على ثلاثة أميال:

  قال هارون: وأخبرني محمد بن عبد اللَّه المخزوميّ عن عثمان بن موسى مولانا قال:

  كنا يوما باللاحجة ومعنا عمرو بن أبي الكنّات، ونحن على شرابنا إذ قال لنا قبل طلوع الشمس: من تحبون أن يجيئكم؟ قلنا: منصور الحجبيّ. فقال: أمهلوا حتى يكون الوقت الَّذي ينحدر فيه إلى سوق البقر، فمكثنا ساعة ثم اندفع يغني:

  أحسن الناس فاعلموه غناء ... رجل من بني أبي الكنّات

  عفت الدار بالهضاب اللواتي ... بسوار فملتقى عرفات


(١) سقطت هذه الكلمة من س.

(٢) المحامل: جمل محمل كمجلس، وهو شقان على البعير، يجمل فيهما العديلان.

(٣) في س: «بتهيك»، تحريف.

(٤) في هد، مل. نزق وفي ب، س مرق، كفرح.

(٥) في ف، و «نهاية الأرب»: «فأعجبه ذلك».

(٦) (٦) زيادة من هد، ف.