أسماء بن خارجة وابنته هند
  الحجاج يخلف بشرا في تزوجها:
  ثم خلف عليها الحجاج، وكان السبب في ذلك فيما ذكره المدائنيّ عن الحرمازيّ عن القحذميّ، وأخبرني به من ها هنا أحمد بن عبد العزيز عن ابن شبة عن عثمان بن عبد الوهاب عن عبد الحميد الثقفيّ قالا:
  كان السبب في ذلك أنه بعث أبا بردة بن أبي موسى الأشعري - وهو قاضيه - / إلى أسماء يقول له: إن قبيحا بي مع بلاء أمير المؤمنين عندي أن أقيم بموضع فيه ابنا أخيه بشر لا أضمهما إليّ، وأتولَّى منهما مثل ما أتولى من ولدى. فاسأل هندا أن تطيب نفسا عنهما.
  وقال عمر بن شبة في خبره: وأعلمها أنه لا بد من التفرقة بينها وبينهما حتى أؤدبهما، قال أبو بردة: فاستأذنت فأذن لي وهو يأكل وهند معه، فما رأيت وجها(١) / ولا كفا ولا ذراعا أحسن من وجهها وكفها وذراعها، وجعلت تتحفني وتضع بين يديّ.
  قال أبو زيد في خبره: فدعاني إلى الطعام، فلم أفعل، وجعلت تعبث بي وتضحك، فقلت: أما واللَّه لو علمت ما جئت له لبكيت، فأمسكت يدها عن الطعام فقال: أسماء: قد منعتها الأكل: فقل: ما جئت له. فلما بلَّغت أسماء ما أرسلت به بكت، فلم أر واللَّه دموعا قطَّ سائلة من محاجر أحسن من دموعها على(٢) محاجرها. ثم قالت:
  نعم أرسل بهما إليه، فلا أحد أحقّ بتأديبهما منه.
  وقال أسماء: إنما عبد الملك ثمرة قلوبنا - يعني عبد الملك بن بشر - وقد أنسنا به، ولكن أمر الأمير طاعة، فأتيت الحجاج، فأعلمته جوابها وهيئتها. فقال: ارجع فاخطبها عليّ فرجعت وهما على حالهما. فلما دخلت قلت:
  إني جئتك بغير الرسالة الأولى قال: اذكر ما أحببت. قلت: قد جئت خاطبا. قال: أعلى نفسك فما بنا عنك رغبة؟
  قلت: لا، على من هو خير لها مني، وأعلمته ما أمرني به الحجاج، فقال: ها هي تسمع ما أدّيت، فسكتت، فقال أسماء: قد رضيت، وقد زوجتها إياه.
  فقال أبو زيد في حديثه: فلما زوجها أبوها قامت مبادرة وعليها مطرف(٣)، ولم تستقل قائمة من ثقل عجيزتها حتى انثنت ومالت لأحد شقيها من شحمها، فانصرفت بذلك إلى الحجاج، فبعث إليها بمائة ألف درهم وعشرين تختا من ثياب وقال: يا أبا بردة، / إني أحب أن تسلمها إليها، ففعلت ذلك، وأرسلت إليّ من المال بعشرين ألفا، ومن الثياب تختين. فقلت: ما أقبل شيئا حتى أستطلع رأي الأمير. ثم انصرفت إليه فأعلمته، فأمرني بقبضة ووصلني بمثله(٤).
  وقال: أبو زيد في حديثه: فأرسل إليها بثلاثين غلاما مع كل غلام عشرة آلاف درهم، وثلاثين جارية مع كل جارية تخت من ثياب، وأمر لي بثلاثين ألفا وثيابا لم يذكر عددها. فلما وصل ذلك إلى هند أمرت بمثل ما أمر لي به الحجاج، فأبيت قبوله، وقلت: ليس الحجاج ممن يتعرّض له بمثل هذا. وأتيت الحجاج فأخبرته. فقال: قد أحسنت وأضعف اللَّه لك ذلك، وأمر له بستين ألفا، وبضعف تلك الثياب، وكان أول ما أصبته مع الحجاج. وأرسل
(١) ف: «فما وجدت وجها قط».
(٢) في ف: «من».
(٣) في ف: «مطرف خز أسود».
(٤) زيادة في ف.