أسماء بن خارجة وابنته هند
  رأسها وذنبها بين ثدييها. فهالنا ذلك وارتحلنا(١).
  فلم تزل منطوية عليها لا تضيرها حتى دخلنا الحرم فانسابت، فدخلنا مكة وقضينا نسكنا، فرآها الغريض فقال: أيّ شقيّة، ما فعلت حيتك؟ فقالت: في النار، قال: ستعلمين من أهل النار؟ ولم أفهم ما أراد، وظننت أنه مازحها، واشتقت إلى غنائه، ولم يكن بيني وبينه ما يوجب ذلك، فأتيت بعض أهله، فسألته ذلك، فقال نعم، فوجّه إليه أن اخرج بنا إلى موضع كذا، وقال لي: اركب بنا، فركبنا حتى سرنا قدر ميل، فإذا الغريض هناك، فنزلنا، فإهذا طعام معدّ، وموضع حسن. فأكلنا وشربنا، ثم قال: يا أبا يزيد، هات بعض طرائفك فاندفع يغني، ويوقع بقضيب:
  مرضت فلم تحفل عليّ جنوب ... وأدنفت والممشى إليّ قريب
  فلا يبعد اللَّه الشباب وقولنا ... إذا ما صبونا صبوة سنتوب
  فلقد سمعنا شيئا ظننت أن الجبال الَّتي حولي تنطق معه: شجا صوت، وحسن غناء. وقال لي: أتحب أن يزيدك(٢)؟ فقلت: إي واللَّه. فقال: هذا ضيفك وضيفنا، وقد رغب إليك وإلينا، فأسعفه بما يريد. فاندفع يغني بشعر مجنون بني عامر:
  عفا اللَّه عن ليلى الغداة فإنها ... إذا وليت حكما عليّ تجور
  أأترك ليلى ليس بيني وبينها ... سوى ليلة؟ إني إذا لصبور!
  / فما عقلت لما غنى من حسنه إلا بقول صاحبي: نجور عليك يا أبا يزيد. فقلت:
  وما معناك في ذلك؟ فقال: إن أبا يزيد عرّض بأني لما وليت الحكم عليه جرت في سؤالي إياه أكثر من صوت واحد. فقلت له - بعد ساعة - سرّا: جعلت فداءك، إني أريد المضي وأصحابي يريدون الرحلة، وقد أبطأت عليهم، فإن رأيت أن تسأله - حاطه اللَّه من السوء والمكروه - أن يزوّدني لحنا واحدا. فقال لي: يا أبا يزيد، أتعلم ما أنهى إلينا ضيفنا؟ قال: نعم، أرادك أن تكلمني في أن أغنيه قلت: هو واللَّه ذلك، فاندفع يغني:
  خذي العفو مني تستديمي مودتي ... ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
  فإني رأيت الحب في الصدر والأذى ... إذا اجتمعا لم يلبث الحبّ يذهب
  / فقال: قد أخذنا العفو منك، واستدمنا مودتك، ثم أقبل علينا فقال: ألا أحدثكم بحديث حسن؟ فقلنا:
  بلى. قال: قال شيخ العلم وفقيه الناس وصاحب عليّ ~ وخليفة عبد اللَّه بن العباس على البصرة أبو الأسود الدؤلي لابنته ليلة البناء(٣): أي بنيّة، النساء(٤) كنّ بوصيتك وتأديبك أحقّ مني، ولكن لا بد مما لا بد منه. يا بنيّة، إن أطيب الطيب الماء، وأحسن الحسن الدهن، وأحلى الحلاوة الكحل. يا بنية، لا تكثري مباشرة زوجك فيملَّك، ولا تباعدي عنه فيجفوك ويعتلّ عليك، وكوني كما قلت لأمّك:
(١) كذا في ب، س: «ارتحلنا»، تحريف.
(٢) في ف: «نزيدك».
(٣) ف: «ليلة بها».
(٤) ف: «إن النساء».