كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار السليك بن السلكة ونسبه

صفحة 465 - الجزء 20

  بإبله، حتى أمسى في ليلة من ليالي الشتاء باردة مقمرة فاشتمل الصماء ثم نام - واشتمال الصماء: أن يرد فضلة ثوبه على عضده اليمنى، ثم ينام عليها - فبينا هو نائم إذ جئم رجل⁣(⁣١) فقعد على جنبه فقال: استأسر. فرفع السليك إليه رأسه، وقال: الليل طويل وأنت مقمر. فأرسلها مثلا، فجعل الرجل يلهزه⁣(⁣٢) ويقول: يا خبيث استأسر. فلما آذاه بذلك أخرج السليك بعده، فضم الرجل إليه ضمة ضرط منها وهو فوقه، فقال السليك: أضرطا وأنت الأعلى؟

  فأرسلها مثلا، ثم قال: من أنت؟ فقال. أنا رجل افتقرت، فقلت: لأخرجنّ فلا أرجع إلى أهلي حتى أستغني فآتيهم وأنا غنّي قال. انطلق معي. فانطلقا، فوجدا رجلا قصته مثل قصتهما. فاصطحبوا جميعا حتى أتوا الجوف: جوف مراد.

  فلما أشرفوا عليه إذا فيه نعم قد ملأ كل شيء من كثرته. فهابوا أن يغيروا فيطردوا بعضها، فيلحقهم الطلب.

  فقال لهما سليك. كونا قريبا مني حتى آتي الرّعاء فأعلم لكما علم الحي، أقريب أم بعيد. فإن كانوا قريبا رجعت إليكما، وإن كانوا بعيدا قلت لكما قولا أومئ⁣(⁣٣) إليكما به فأغيرا. فأنطلق حتى أتى الرّعاء، فلم يزن / يستنطقهم حتى أخبروه بمكان الحي، فإذا هم بعيد. إن طلبوا لم يدركوا. فقال السّليك للرّعاء: ألا أغنيكم؟ فقالوا: بلى غنّنا، فرفع صوته وغنّى:

  يا صاحبيّ ألا لاحي بالوادي ... سوى عبيد وآم⁣(⁣٤) بين أذواد

  أتنظران قريبا ريث غفلتهم ... أم تغدوان فإن الريح⁣(⁣٥) للغادي؟

  فلما سمعا ذلك أتيا السليك، فأطردوا الإبل فذهبوا بها ولم يبلغ الصّريخ الحي حتى فاتوهم بالإبل.

  نبأ آخر من أنباء المراتع:

  قال المفضل: وزعموا أن سليكا خرج ومعه رجلان من بني الحارث بن امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم يقال لهما: عمرو وعاصم وهو يريد الغارة، فمر على حي بني شيبان في ربيع والناس مخصبون في عشية فيها ضباب ومطر، فإذا هو ببيت قد انفرد من البيوت وقد أمسى. فقال لأصحابه: كونوا بمكان كذا حتى آتي أهل هذا البيت، فلعلي⁣(⁣٦) أن أصيب لكم خيرا، أو آتيكم بطعام قالوا: افعل، فانطلق وقد أمسى وجن عليه الليل، فإذا البيت بيت رويم، وهو جد حوشب بن يزيد بن رويم، وإذا الشيخ وامرأته بفناء البيت.

  فأتى السليك البيت من مؤخره فدخله، فلم يلبث أن راح ابنه بإبله. فلما أراحها غضب الشيخ، وفقال لابنه:

  هلَّا عشيّتها ساعة من الليل. فقال له ابنه: إنها أبت العشاء فقال: / العاشية⁣(⁣٧) تهيج الآبية، فأرسلها مثلا. ثم غضب الشيخ، ونفض ثوبه في وجهها، فرجعت إلى مراتعها ومعها الشيخ حتى مالت بأدنى روضة. فرتعت. وحبس الشيخ عندها لتتعشى، وغطى وجهه بثوبه من البرد، وتبعه سليك.


(١) ف، هد: م: «جثم عليه رجل».

(٢) يلهزه: يضربه بجمع يده في صدره أو رقبته.

(٣) أومئ. أوحي إليكما به.

(٤) الام: جمع أمة.

(٥) الريح: الغلبة والظفر.

(٦) ب، س: «فعلي».

(٧) العاشية: الراعية ليلا من الإبل.