أخبار أبي نخيلة ونسبه
  ينتحل أرجوزة لرؤبة وينشدها فيفجؤه رؤبة من مرقده فيعتذر:
  أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال: حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال:
  دخل أبو نخيلة على عمر بن هبيرة، وعنده رؤبة قد قام من مجلسه فاضطجع خلف ستر، فأنشد أبو نخيلة مديحه له، ثم قال ابن هبيرة: يا أبا نخيلة، أيّ شيء أحدثت بعدنا؟ فاندفع ينشده أرجوزة لرؤبة، فلما توسطها كشف رؤبة الستر، وأخرج رأسه من تحته، فقال له: كيف أنت يا أبا نخيلة؟ فقطع إنشاده وقال: بخير أبا العجاج، فمعذرة إليك ما علمت بمكانك، فقال له رؤبة: ألم ننهك أن تعرض لشعري إذا كنت حاضرا، فإذا ما غبت فشأنك به! فضحك أبو نخيلة، وقال: هل أنا إلا حسنة من حسناتك، وتابع لك، وحامل عنك؟ فعاد رؤبة إلى موضعه فاضطجع، ولم يراجعه حرفا. واللَّه أعلم.
  يمدح ثم لا يرضى الجائزة فيهجو، ثم يزاد فيمدح:
  أخبرني هاشم بن محمد قال: حدثنا دماذ عن أبي عبيدة:
  أن أبا نخيلة قدم على المهاجر بن عبد اللَّه الكلابي - وكان أبو نخيلة أشبه خلق اللَّه به وجها وجسما وقامة، لا يكاد الناظر إلى أحدهما أن يفرق بينه وبين الآخر - فدخل عليه فأنشده قوله فيه:
  يا دار أمّ مالك ألا اسلمي ... على التنائي من مقام وانعمي
  / كيف أنا إن أنت لم تكلَّمي ... بالوحي أو كيف بأن تجمجمي(١)
  تقول لي بنتي ملام اللَّوّم ... يا أبتا إنك يوما مؤتمي(٢)
  فقلت كلَّا فاعلمي ثم اعلمي ... أني لميقات كتاب محكم
  لو كنت في ظلمة شعب مظلم ... أو في السماء أرتقي بسلَّم
  / لا نصبّ مقداري إلى مجرنثمي(٣) ... إني وربّ الراقصات(٤) الرسّم
  وربّ حوض زمزم وزمزم ... لأستبين(٥) الخير عند مقدمي
  وعند ترحالي عن(٦) مخيّمي ... على ابن عبد اللَّه قرم الأقرم
  فإنني بالعلم ذو ترسّم ... لم أدر ما مهاجر التكرم
  حتى تبينت(٧) قضايا الغشّم(٨) ... مهاجر يا ذا النوال الخضرم(٩)
(١) الجمجمة: ألا يبين الكلام. وفي ب، س: «بأن تحمحمي»، تحريف.
(٢) مؤتمي: جاعلي بتيمة.
(٣) كذا في ف، ومعناه: مستقري، من اجرنثم، أي سقط من علو إلى أسفل. وفي سائر الأصول: «مجرثمي»، تحريف.
(٤) الراقصات هنا: الإبل.
(٥) كذا في ف، م. وفي سائر الأصول: «لأوثنين»، تحريف.
(٦) في أ، م: «من».
(٧) في ب، س: «تبثثت».
(٨) في أ، م: «القسم».
(٩) الخضرم: الكثير.