كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

1 - خبر أبي قطيفة ونسبه

صفحة 52 - الجزء 1

  بمنزلة حمامة من حمام مكة، أفكنت قاتلا حماما من حمام مكة؟ قال: نعم، وما حرمة حمام مكة! يا غلام، ائتني بقوسي وأسهمي، فأتاه بقوسه وأسهمه، فأخذ سهما فوضعه في كبد القوس ثم سدّده نحو حمامة من حمام المسجد وقال: يا حمامة، أيشرب يزيد بن معاوية الخمر؟ قولي نعم، فو اللَّه: لئن فعلت لأرمينّك. يا حمامة، أتخلعين يزيد بن معاوية وتفارقين أمّة محمد ÷، وتقيمين في الحرم حتى يستحلّ بك؟ واللَّه لئن فعلت لأرمينّك. فقال ابن الزّبير: ويحك! أو يتكلم الطائر؟ قال: لا! ولكنك يا بن الزبير تتكلم. أقسم باللَّه لتبايعنّ طائعا أو مكرها أو لتتعرّفنّ راية الأشعريّين في هذه البطحاء، ثم لا أعظَّم من حقّها ما تعظَّم⁣(⁣١). فقال ابن الزبير: أو تستحلّ⁣(⁣٢) الحرم! قال: إنما يستحلَّه من ألحد فيه. فحبسهم شهرا ثم ردّهم إلى يزيد بن معاوية ولم يجبه إلى شيء. وفي رواية أحمد بن الجعد: وقال بعض الشعراء - وهو أبو العباس الأعمى، واسمه السائب بن فرّوخ يذكر ذلك وشبر ابن الزبير بطنه -:

  ما زال في سورة الأعراف يدرسها ... حتى بدا⁣(⁣٣) لي مثل الخزّ في اللَّين

  لو كان بطنك شبرا قد شبعت وقد ... أفضلت فضلا كثيرا للمساكين⁣(⁣٤)

  قال الهيثم: ثم إنّ ابن الزّبير مضى إلى صفيّة بنت أبي عبيد⁣(⁣٥) زوجة عبد اللَّه بن عمر، فذكر لها أنّ خروجه كان غضبا للَّه تعالى ورسوله # والمهاجرين / والأنصار من أثرة معاوية وابنه [وأهله]⁣(⁣٦) بالفيء⁣(⁣٧)، وسألها مسألته أن يبايعه. فلما قدّمت له عشاءه ذكرت له أمر ابن الزبير واجتهاده، وأثنت عليه وقالت: ما يدعو إلَّا إلى طاعة اللَّه جلّ وعزّ، وأكثرت القول في ذلك. فقال لها: أما رأيت بغلات معاوية اللواتي كان يحجّ عليهنّ⁣(⁣٨) الشّهب، فإنّ ابن الزبير ما يريد غيرهنّ! قال المدائنيّ في خبره: وأقام ابن الزبير على خلع يزيد ومالأه⁣(⁣٩) على ذلك أكثر الناس. فدخل عليه عبد اللَّه بن مطيع وعبد اللَّه بن حنظلة وأهل المدينة المسجد وأتوا المنبر فخلعوا يزيد.

  فقال عبد اللَّه بن أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزوميّ: / خلعت يزيد كما خلعت عمامتي، ونزعها عن رأسه وقال: إني لأقول هذا وقد وصلني وأحسن جائزتي، ولكنّ عدوّ اللَّه سكَّير خمّير. وقال آخر: خلعته كما خلعت نعلي. وقال آخر: خلعته كما خلعت ثوبي. وقال آخر: قد خلعته كما خلعت خفّي، حتى كثرت العمائم والنّعال والخفاف، وأظهروا البراءة منه وأجمعوا على ذلك، وامتنع منه عبد اللَّه بن عمر ومحمد بن عليّ بن أبي طالب @ وجرى بين محمد خاصّة وبين أصحاب ابن الزبير فيه قول كثير، حتى أرادوا إكراهه على ذلك،


(١) في أ، ت، م، ء: «ما يعظم».

(٢) هكذا في ت. وفي سائر الأصول: «أو يستحل الحرم، قال إنما يحله الخ».

(٣) كذا في أ، ء. وفي سائر النسخ: «فؤادي».

(٤) في أ، ت، م، ء: «المساكين».

(٥) كذا في ت، ح، ر. وفي سائر النسخ: «عبيد اللَّه». والذي في «كتب التراجم» أن زوجة ابن عمر هي صفية بنت أبي عبيد بن مسعود الثقفية.

(٦) زيادة في ب، س، ح.

(٧) الفئ: ما أفاء اللَّه من أموال المشركين على المسلمين من غير حرب ولا جهاد مثل الجزية وما صولحوا عليه؛ إذ أصل الفئ الرجوع، كأنه كان لهم فرجع إليهم. والغنيمة: ما اغتنم في الحرب. والنّفل مثلها.

(٨) في ت: «التي كان يحج عليها» وفي النسخ جميعا: «فإن ابن الزبير ما يريد غيرهن».

(٩) كذا في ت. وفي سائر النسخ: «وما لأ» بدون الضمير.