كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار البحتري ونسبه

صفحة 32 - الجزء 21

  فكان يقتلهما جوعا، فإذا بلغ منهما الجوع أتياه يبكيان، فيرمي إليهما بثمن أقواتهما مضيّقا مقتّرا، ويقول: كلا، أجاع اللَّه أكبادكما⁣(⁣١) وأعرى أجلادكما⁣(⁣١) وأطال إجهادكما.

  قال حكم بن يحيى: وأنشدته يوما من شعر أبي سهل بن نوبخت، فجعل يحرّك رأسه، فقلت له: ما تقول فيه؟ فقال: هو يشبه مضغ الماء ليس له طعم ولا معنى.

  وحدثني أبو مسلم محمد بن بحر الأصبهانيّ الكاتب، قال:

  دخلت على البحتريّ يوما فاحتبسني عنده، ودعا بطعام له، ودعاني إليه، فامتنعت من أكله، وعنده شيخ شاميّ لا أعرفه، فدعاه إلى الطعّام، فتقدّم، وأكل معه أكلا عنيفا، فغاظه ذلك، والتفت إليّ، فقال لي: أتعرف هذا الشيخ؟ فقلت: لا، قال: هذا شيخ من بني الهجيم الذين يقول فيهم الشاعر:

  وبنو⁣(⁣٢) الهجيم قبيلة ملعونة ... حصّ اللَّحى⁣(⁣٣) متشابهو الألوان

  لو يسمعون بأكلة أو شربة ... بعمان أصبح جمعهم بعمان⁣(⁣٤)

  قال: فجعل الشيخ يشتمه، ونحن نضحك.

  ماء من يد حسناء

  : وحدثني جحظة: قال: حدثني عليّ⁣(⁣٥) بن يحيى المنجّم: قال:

  اجتازت جارية بالمتوكَّل معها كوز ماء، وهي أحسن من القمر، فقال لها: ما اسمك؟

  / قالت: برهان، قال: ولمن هذا الماء؟ قالت: لستيّ قبيحة، قال: صبيّه في حلقي، فشربه عن آخره، ثم قال للبحتريّ: قل في هذا شيئا، فقال البحتريّ:

  ما شربة⁣(⁣٦) من رحيق كأسها ذهب ... جاءت بها الحور من جنّات رضوان

  يوما بأطيب من ماء بلا عطش ... شربته عبثا من كف برهان

  أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش، وأحمد بن جعفر جحظة: قالا: حدثنا أبو الغوث بن البحتري: قال:

  كتبت إلى أبي يوما أطلب منه نبيذا، فبعث إليّ بنصف قنّينة درديّ⁣(⁣٧)، وكتب إليّ: دونكها يا بنيّ، فإنها تكشف القحط، وتضبط الرّهط. قال الأخفش، وتقيت الرّهط.

  قصته مع أحمد بن علي الإسكافي

  : حدثني أبو الفضل عباس بن أحمد بن ثوابة قال:


(١ - ١) التكملة من: ف، مم.

(٢) ب، س: «وبني الهجيم».

(٣) حص اللحى: قليلو شعر اللحية.

(٤) عمان الأولى ممنوعة من الصرف، وعمان الثانية مصروفة، وليس في هذا ضرورة شعرية. لأنه يجوز فيها الأمران، كقريش وتميم ونحوهما، على معنى حي أو قبيلة.

(٥) كذا في النسخ، وفي نسخة بيروت: «يحيى بن علي المنجم».

(٦) ف: «قهوة».

(٧) الدردي: ما رسب أسفل العسل والزيت ونحوهما من كل شيء مائع كالأشربة والأدهان.