كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار البحتري ونسبه

صفحة 33 - الجزء 21

  قدم البحتريّ النّيل⁣(⁣١) على أحمد / بن عليّ الإسكافيّ مادحا له، فلم يثبه ثوابا يرضاه بعد أن طالت مدّته عنده، فهجاه بقصيدته التي يقول فيها:

  ما كسبنا من أحمد بن عليّ ... ومن النّيل غير حمّى النّيل

  وهجاه بقصيدة أخرى أولها:

  قصّة النّيل فاسمعوها عجابه

  فجمع إلى هجائه إياه هجاء أبي ثوابة، وبلغ ذلك أبي، فبعث إليه بألف درهم وثياب ودابّة بسرجها ولجامها، فردّه إليه، وقال: قد أسلفتكم إساءة لا يجوز معها قبول رفدكم⁣(⁣٢)، فكتب إليه أبي: أمّا الإساءة فمغفورة وأما المعذرة فمشكورة، والحسنات / يذهبن السيئات، وما يأسو جراحك مثل يدك. وقد رددت إليك ما رددته عليّ، وأضعفته، فإن تلافيت ما فرط منك أثبنا وشكرنا، وإن لم تفعل احتملنا وصبرنا. فقبل ما بعث به، وكتب إليه: كلامك واللَّه أحسن من شعري، وقد أسلفتني ما أخجلني، وحمّلتني ما أثقلني، وسيأتيك ثنائي. ثم غدا إليه بقصيدة أولها:

  ضلال لها ماذا أرادت إلى الصّد

  وقال فيه بعد ذلك:

  برق أضاء العقيق من ضرمه

  وقال فيه أيضا:

  دان دعا داعي الصّبا فأجابه

  قال: ولم يزل أبي يصله بعد ذلك، ويتابع برّه لديه حتى افترقا.

  شعره في نسيم غلامه

  : أخبرني جحظة قال:

  كان نسيم غلام البحتريّ الذي يقول فيه:

  دعا عبرتي تجري على الجور والقصد ... أظنّ نسيما قارف الهمّ من بعدي

  خلا ناظري من طيفه بعد شخصه ... فيا عجبا للدّهر فقد⁣(⁣٣) على فقد

  غلاما روميّا ليس بحسن الوجه، وكان قد جعله بابا من أبواب الحيل على النّاس، فكان يبيعه ويعتمد أن يصيّره إلى ملك بعض أهل المروءات ومن ينفق عنده الأدب، فإذا حصل في ملكه شبّب به، وتشوّقه، ومدح مولاه، حتى يهبه له، فلم يزل ذلك دأبه حتى مات نسيم، فكفي النّاس أمره.

  خبره مع محمد بن علي القمي وغلامه:

  أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال:


(١) النيل: بليدة في سواد الكوفة، ونهر من أنهار الرقة، عن «معجم ياقوت».

(٢) ف: «صلتكم».

(٣) فقد بالرفع على أنها خبر لمبتدأ محذوف، وفي ف: فقدا بالنصب على الحالية.