أخبار البحتري ونسبه
  كتب البحتريّ إلى أبي محمد بن عليّ القمّيّ(١) يستهديه نبيذا، فبعث إليه نبيذا مع / غلام له أمرد، فجمّشه(٢) البحتريّ، فغضب الغلام غضبا شديدا، دلّ البحتريّ على أنه سيخبر مولاه بما جرى، فكتب إليه:
  أبا جعفر كان تجميشنا ... غلامك إحدى الهنات الدّنيّه
  بعثت إلينا بشمس المدام ... تضيء لنا مع شمس البريّه
  فليت الهديّة كان الرّسول ... وليت الرسول إلينا الهديّة
  فبعث إليه محمد بن عليّ الغلام هديّة، فانقطع البحتريّ عنه بعد ذلك مدة، خجلا مما جرى، فكتب إليه محمد بن عليّ:
  هجرت كأنّ البرّ أعقب حشمة ... ولم أر وصلا قبل ذا أعقب الهجرا
  فقال فيه قصيدته التي أولها:
  فتى مذحج عفوا فتى مذحج غفرا(٣)
  وهي طويلة. وقال فيه أيضا:
  أمواهب(٤) هاتيك أم أنواء ... هطل وأخذ ذاك أم إعطاء
  إن دام ذا أو بعض ذا من فعل ذا ... ذهب(٥) السخاء فلا يعدّ(٦) سخاء
  / ليس الذي حلَّت تميم وسطه ... الدّهناء، لكن صدرك الدهناء(٧)
  ملك أغر لآل طلحة مجده ... كفّاه بحر سماحة وسماء(٨)
  / وشريف أشراف إذا احتكَّت بهم ... جرب القبائل أحسنوا وأساؤا(٩)
  أمحمد بن عليّ أسمع عذرة ... فيها شفاء للمسيء وداء
  مالي إذ ذكر الكرام رأيتني ... مالي مع النّفر الكرام وفاء؟
  يضفو عليّ العذل وهو مقارب ... ويضيق عني العذر وهو فضاء
  إنّي هجرتك إذ هجرتك حشمة ... لا العود يذهبها ولا الإبداء
(١) نسبة إلى بلدة «قم» قال ياقوت: وهي مدينة إسلامية لا أثر للأعاجم فيها بين أصبهان وساوة.
(٢) التجميش: المغازلة والملاعبة.
(٣) مذحج كمجلس: أكمة، ولدت مالكا وطيئا أمهما عندها، فسموا مذحجا، وفي ب: «فتى مذحج غفرا فتى مذحج غفرا»، والمثبت من ف، وهو الوجه.
(٤) مواهب بالتنوين للضرورة.
(٥) في «المختار»: فني السخاء.
(٦) في «الديوان»:
«فلا يحس سخاء»
(٧) الدهناء: الصحراء.
(٨) ف: «وعطاء».
(٩) ب، مم: «إذا احتلت» بدل «إذا احتكت». و «حرب» بدل «جرب» والمثبت من ف.