كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار البحتري ونسبه

صفحة 36 - الجزء 21

  أبو تمام يشيد به

  : حدثني عليّ بن سليمان الأخفش: قال: حدّثني أبو الغوث بن البحتريّ: قال:

  حدثني أبي: قال: قال لي أبو تمام: بلغني أنّ بني حميد أعطوك مالا جليلا فيما مدحتهم به، فأنشدني شيئا منه، فأنشدته بعض ما قلته فيهم، فقال لي: كم أعطوك؟ فقلت: كذا وكذا، فقال: ظلموك، واللَّه ما وفوك حقّك، فلم استكثرت ما دفعوه إليك؟ / واللَّه لبيت منها خير مما أخذت، ثم أطرق قليلا، ثم قال: لعمري لقد استكثرت ذلك، واستكثر لك لمّا مات الناس وذهب / الكرام، وغاضت المكارم، فكسدت سوق الأدب، أنت واللَّه يا بنيّ أمير الشعراء غدا بعدي، فقمت فقبّلت رأسه ويديه ورجليه، وقلت له: واللَّه لهذا القول أسرّ إلى قلبي وأقوى لنفسي مما وصل إليّ من القوم.

  أبو تمام ينعي نفسه

  : حدثني محمد بن يحيى عن الحسن بن علي الكاتب: قال: قال لي البحتريّ: أنشدت أبا تمام يوما شيئا من شعري، فتمثّل ببيت أوس بن حجر:

  إذا مقرم منا ذرا حدّ نابه ... تخمّط فينا ناب آخر مقرم⁣(⁣١)

  ثم قال لي: نعيت واللَّه إليّ نفسي، فقلت: أعيدك باللَّه من هذا القول، فقال: إنّ عمري لن يطول، وقد نشأ في طيء مثلك، أما علمت أنّ خالد بن صفوان رأى شبيب بن شيبة، وهو من رهطة يتكلم، فقال: يا بنيّ، لقد نعى إليّ نفسي إحسانك في كلامك، لأنّا أهل بيت ما نشأ فينا خطيب قطَّ إلَّا مات من قبله، فقلت له: بل يبقيك اللَّه، ويجعنلي فداءك. قال: ومات أبو تمام بعد سنة.

  يشمخ بأنفه فيغري به المتوكل الصيمري

  : حدثني أحمد بن جعفر جحظة: قال: حدثني أبو العنبس الصّميريّ قال:

  كنت عند المتوكل والبحتريّ ينشده:

  عن أيّ ثغر تبتسم ... وبأيّ طرف تحتكم؟

  حتى بلغ إلى قوله:

  قل للخليفة جعفر ال ... متوكَّل بن المعتصم

  / المبتدي للمجتدي⁣(⁣٢) ... والمنعم بن المنتقم

  أسلم لدين محمد ... فإذا سلمت فقد سلم

  قال: وكان البحتريّ من أبغض الناس إنشادا، يتشادق ويتزاور⁣(⁣٣) في مشيه مرة جانبا، ومرّة القهقري، ويهزّ


(١) المقرم: السيد المقدم، تشبيها بالمقرم من الإبل، وهو المكرم الذي لا يحمل عليه ولا يذلل، وذرا حد نابه: انكسر، والتخمط:

الأخذ والقهر بغلبة، والبيت في معنى قول الآخر:

إذا مات منا سيد قام صاحبه

(٢) ب، مم: «المجتدي للمتجدي»، وما أثبتناه من ف. وهو أبلغ في المدح، لأن المراد أن يعطي قبل السؤال.

(٣) يتزاور: ينحرف.