كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار البحتري ونسبه

صفحة 37 - الجزء 21

  رأسه مرّة، ومنكبيه أخرى، ويشير بكمّه، ويقف عند كل بيت، ويقول: أحسنت واللَّه، ثم يقبل على المستمعين، فيقول: ما لكم لا تقولون أحسنت؟ هذا واللَّه ما لا يحسن أحد أن يقول مثله: فضجر المتوكل من ذلك وأقبل عليّ، وقال: أما تسمع يا صيمريّ ما يقول؟ فقلت: بلى يا سيّدي، فمرني فيه بما أحببت، فقال: بحياتي أهجه على هذا الرّويّ الذي أنشدنيه، فقلت: تأمر ابن حمدون أن يكتب ما أقول، فدعا بداوة وقرطاس، وحضرني على البديهة أن قلت:

  أدخلت رأسك في الرّحم ... وعلمت أنّك تنهزم

  يا بحتريّ حذار ويحك ... من قضاقضة ضغم⁣(⁣١)

  فلقد أسلت بواديي ... ك⁣(⁣٢) من الهجا سيل العرم

  فبأيّ عرض تعتصم ... وبهتكه جفّ القلم؟

  واللَّه حلفة صادق ... وبقبر أحمد والحرم

  وبحقّ جعفر الإما ... م ابن الإمام المعتصم

  لأصيّرنّك شهرة ... بين المسيل إلى العلم

  / حيّ الطَّلول⁣(⁣٣) بذي سلم ... حيث الأراكة والخيم

  يا بن الثّقيلة والثق ... يل على قلوب ذوي النّعم

  / وعلى الصغير مع الكب ... ير من الموالي والحشم

  في أي سلح ترتطم ... وبأيّ كفّ تلتقم؟

  يا بن المباحة للورى ... أمن العفاف أم التّهم⁣(⁣٤)

  إذ رحل أختك للعجم ... وفراش أمّك في الظَّلم

  وبباب دارك حانة ... في بيته يؤتى الحكم

  قال: فغضب، وخرج يعدو، وجعلت أصيح به:

  أدخلت رأسك في الرّحم ... وعلمت أنّك تنهزم

  والمتوكل يضحك، ويصفّق حتى غاب عن عينه.

  هكذا حدثني جحظة عن أبي العنبس.

  ووجدت هذه الحكاية بعينها بخط الشاهيني حكاية عن أبي العنبس، فرأيتها قريبة اللفظ، موافقة المعنى لما ذكره جحظة، والذي يتعارفه الناس أن أبا العنبس قال هذه الأبيات ارتجالا، وكان واقفا خلف البحتريّ، فلما ابتدأ وأنشد قصيدته:


(١) القضاقض: الأسد، وجمعه قضاقضة، وضغمه: عضه بملء فيه، فهو ضاغم، وجمعه ضغم.

(٢) ب، مم: «بوالديك» والمثبت من ف.

(٣) ب، س: «حيث الطلول».

(٤) ب: «أمن العقاب أم الفهم» والمثبت من مم، ف، والمستفهم عنه ما ورد في البيتين التاليين.