أخبار تأبط شرا ونسبه
  منهما، إلى العين، فلما وقفا عليها قال تأبط شرّا لابن برّاق: أقلّ من الشّراب فإنها ليلة طرد، قال: وما يدريك؟
  قال: والذي أعدو بطيره، إنّي لأسمع وجيب قلوب الرجال تحت قدميّ. وكان من أسمع العرب وأكيدهم. فقال له ابن برّاق: ذلك وجيب قلبك. فقال له تأبّط شرّا: واللَّه ما وجب قطَّ، ولا كان وجّابا، وضرب بيده عليه، وأصاخ نحو الأرض يستمع / فقال: والذي أعدو بطيره، إني لأسمع وجيب قلوب الرّجال، فقال له ابن برّاق: فأنا أنزل قبلك، فنزل فبرك وشرب وكان أكلّ القوم عند بجيلة شوكة(١)، فتركوه وهم في الظَّلمة، ونزل ثابت، فلما توسط الماء وثبوا عليه، فأخذوه وأخرجوه من العين مكتوفا، وابن برّاق قريب منهم لا يطمعون فيه لما يعلمون من عدوه، فقال لهم ثابت: إنه من أصلف الناس وأشدّهم عجبا بعدوه، وسأقول له: استأسر معي، فسيدعوه عجبه بعدوه إلى أن يعدو من بين أيديكم، وله ثلاثة أطلاق: أولها كالرّيح الهابّة، والثاني كالفراس الجواد، والثالث يكبو فيه ويعثر، فإذا رأيتم منه ذلك فخذوه فإني أحب أن يصير في أيديكم كما صرت إذ خالفني ولم يقبل رأيي ونصحي له، قالوا:
  فافعل، فصاح به تأبط شرّا: أنت أخي في الشدّة والرّخاء، وقد وعدني القوم أن يمنّوا عليك وعليّ، فاستأسر، وواسني بنفسك في الشدة، كما كنت أخي في الرخاء، فضحك ابن برّاق، وعلم أنه قد كادهم، وقال: مهلا يا ثابت، أيستأسر من عنده / هذا العدو؟ ثم عدا فعدا أول طلق مثل الريح الهابة كما وصف لهم، والثاني كالفرس الجواد، والثالث جعل يكبو ويعثر ويقع على وجهه. فقال ثابت: خذوه، فعدوا بأجمعهم، فلما أن نفّسهم عنه شيئا عدا تأبط شرّا في كتافه، وعارضه ابن برّاق، فقطع كتافه، وأفلتا جميعا(٢)، فقال تأبط شرّا قصيدته القافية في ذلك(٢):
  يا عيد مالك من شوق وإبراق ... ومرّ طيف على الأهوال طرّاق
  يسري على الأين والحيّات محتفيا ... نفسي فداؤك من سار على ساق(٣)
  طيف ابنة الحرّ إذ كنّا نواصلها ... ثم اجتنبت بها من بعد تفراق(٤)
  / لتقرعنّ عليّ السّنّ من ندم ... إذا تذكَّرت يوما بعض أخلاقي(٥)
  تاللَّه آمن أنثى بعد ما حلفت ... أسماء باللَّه من عهد وميثاق(٦)
  ممزوجة الودّ بينا واصلت صرمت ... الأوّل اللَّذ مضى والآخر الباقي
  فالأوّل اللَّذ مضى قال مودّتها ... واللَّذّ منها هذاء غير إحقاق(٧)
  تعطيك وعد أمانيّ تغرّ به ... كالقطر مرّ على صخبآن برّاق(٨)
  إنّي إذا خلَّة ضنّت بنائلها ... وأمسكت بضعيف الحبل أحذاق(٩)
(١) أكل القوم عند بجيلة شوكة، يريد صغر شأنه عند بجيلة، لذلك تركته واتجهت إلى تأبط شرا وفي «المختار»: «وكان ألد القوم» ...
(٢ - ٢) تكملة من «المختار».
(٣) الأين: الحية أو الذكر من الحيات، والأين أيضا: التعب والإعياء. ومحتفيا: حافيا.
(٤) هذا البيت ليس في «الأغاني» وهو في «المختار».
(٥) جاء هذا البيت في «المفضليات» آخر القصيدة.
(٦) لم يرد هذا البيت في «الأغاني» أو «المفضليات» وجاء في «المختار».
(٧) اللذ: بمعنى الذي، والهذاء: الهذيان، ولم يرد هذا البيت أيضا في «المفضليات» أو «الأغاني» ولكنه في «مختار الأغاني».
(٨) الصخبان: الشديد الصخب، ولم يرد البيت في «الأغاني» أو «المفضليات» ولكنه في «مختار الأغاني».
(٩) حبل أحذاق: قطع، وجاء البيت في قصيدة «المفضليات» الثالث في الترتيب.