كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار تأبط شرا ونسبه

صفحة 113 - الجزء 21

  مقته

  : قال أبو عمر الشّيباني: لا بل كان من شأن تأبط وهو ثابت بن جابر بن سفيان، وكان جريئا شاعرا فاتكا أنه خرج من أهله بغارة من قومه، يريدون بني صاهلة بن كاهل بن الحارث بن سعيد بن هذيل، وذلك في عقب شهر حرام ممّا كان يحرّم أهل الجاهلية، حتى هبط صدر أدم⁣(⁣١)، وخفض عن جماعة بني صاهلة، فاستقبل التّلاعة، فوجد بها دارا من بني نفاثة بن عدي، ليس فيها إلا النساء، غير رحل واحد، فبصر الرجل بتأبط وخشية، وذلك في الضّحى، فقام الرجل إلى النساء، فأمرهنّ فجعلن رؤوسهن جمما وجعلن دروعهن أردية، وأخذن من بيوتهن عمدا كهيئة السيوف فجعلن لها حمائل، ثم تأبطنها ثم نهض ونهضن معه يغريهن كما يغري القوم، وأمرهن أن لا يبرزن خدّا، وجعل هو يبرز للقوم ليروه، وطفق يغري ويصيح على القوم، حتى أفزع تأبّط شرّا وأصحابه وهو على ذلك يغري⁣(⁣٢). في بقية ليلة أو ليلتين من الشّهر الحرام، فنهضوا في شعب يقال له شعب وشل⁣(⁣٣)، وتأبط ينهض في الشعب مع أصحابه، ثم يقف في آخرهم، ثم يقول: يا قوم لكأنما يطردكم النساء، فيصيح عليه أصحابه فيقولون: انج أدركك القوم، وتأبى نفسه، فلم يزل به أصحابه حتى مضى معهم فقال تأبّط في ذلك:

  أبعد النّفاثيين أزجر طائرا ... وآسى على شيء إذا هو أدبرا⁣(⁣٤)

  أنهنه رجلي عنهم وإخالهم ... من الذّلّ يعرا بالتّلاعة أعفرا

  ولو نالت الكفّان أصحاب نوفل ... بهمهمة من بين ظرء وعرعرا

  / قال: ثم طلعوا الصدر حين أصبحوا فوجدوا أهل بيت شاذّ من بني قريم ذنب نمار⁣(⁣٥) فظل يراقبهم حتى أمسوا، وذلك البيت لساعدة بن سفيان أحد بني حارثة بن قريم، فحصرهم تأبط وأصحابه حتى أمسوا. قال: وقد كانت قالت وليدة لساعدة: إني قد رأيت اليوم القوم أو النفر بهذا الجبل، فبات الشيخ حذرا قائما بسيفه بساحة أهله. وانتظر تأبط وأصحابه أن يغفل الشيخ، وذلك آخر ليلة من الشهر الحرام فلما خشوا أن يفضحهم الصبح، ولم يقدروا على غرّة مشوا إليه وغرّوه ببقية الشهر الحرام، وأعطوه من مواثيقهم ما أقنعه، وشكوا إليه الجوع، فلما اطمأن إليهم وثبوا عليه فقتلوه وابنا له صغيرا حين مشى. قال: ومضى تأبط شرا إلى ابن له ذي ذؤابة، كان أبوه قد أمره فارتبأ⁣(⁣٦) من وراء ماله، يقال له: سفيان بن ساعدة. فأقبل إليه تأبط شرّا مستترا بمجنّة، فلما خشي الغلام أن يناله تأبّط بسيفه وليس مع الغلام سيف، وهو مفوّق سهما، رمى مجنّ تأبط بحجر، فظن تأبط أنه قد أرسل سهمه، فرمى مجنّة عن يده، ومشى إليه فأرسل الغلام سهمه فلم يخط لبّته حتى خرج منه السهم، ووقع في البطحاء حذو القوم، وأبوه ممسك، فقال أبو الغلام⁣(⁣٧) حين وقع السهم: أخاطئه سفيان؟


(١) أدم: اسم موضع.

(٢) أي وهو مع توجسه يغري أصحابه بالاقتحام.

(٣) وشل: اسم جبل، واسم أيضا لموضعين.

(٤) تقدمت أيضا هذه الأبيات في الترجمة نفسها.

(٥) نمار ككتاب: اسم جبل، وكغراب: اسم واد، وذنب ظرف مكان بمعنى أسفل، أو لعلها محرفة عن جنب.

(٦) ارتبأ: اختبأ وراء ربيئة؛ هضبة مرتفعة.

(٧) تقدم أن أبا الغلام قد قتل، فلعل المراد أنه قال وهو يحتضر، أخاطئة سفيان؟: استفهام عن الرمية.