1 - خبر أبي قطيفة ونسبه
  فخرج إلى مكة، وكان هذا أوّل ما هاج الشرّبينه وبين ابن الزبير.
  وقعة الحرّة
  قال المدائنيّ: واجتمع أهل المدينة لإخراج بني أمية عنها، فأخذوا عليهم العهود ألَّا يعينوا عليهم الجيش، وأن يردّوهم عنهم، فإن لم يقدروا على ردّهم لا يرجعوا إلى المدينة معهم. فقال لهم عثمان بن محمد بن أبي سفيان: أنشدكم اللَّه في دمائكم وطاعتكم! فإنّ الجنود تأتيكم وتطؤكم، وأعذر لكم ألَّا تخرجوا أميركم، / إنكم إن ظفرتم وأنا مقيم بين أظهركم فما أيسر شأني وأقدركم على إخراجي! وما أقول هذا إلَّا نظرا لكم أريد به حقن دمائكم. فشتموه وشتموا يزيد، وقالوا: لا نبدأ إلَّا بك، ثم نخرجهم بعدك. فأتى مروان(١) عبد اللَّه بن عمر فقال:
  يا أبا عبد الرحمن، إنّ هؤلاء القوم قد ركبونا بما ترى، فضمّ عيالنا. فقال: لست من أمركم وأمر هؤلاء في شيء.
  فقام مروان وهو يقول: قبح اللَّه هذا أمرا وهذا دينا. ثم أتى عليّ بن الحسين @ فسأله أن يضمّ أهله وثقله(٢) ففعل، ووجّههم وامرأته أمّ أبان(٣) بنت عثمان إلى الطائف ومعها ابناه: عبد اللَّه ومحمد. فعرض حريث رقّاصة - وهو مولى لبني بهز(٤) من سليم كان بعض عمّال المدينة قطع رجله فكان إذا مشى كأنه يرقص، فسمّي رقاَّصة - لثقل مروان وفيه أمّ عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، فضربته بعضا فكادت(٥) تدقّ عنقه، فولَّى ومضى. ومضوا إلى الطائف وأخرجوا بني أميّة. فحسّ(٦) بهم سليمان بن أبي الجهم العدويّ وحريث رقّاصة، فأراد مروان أن يصلَّي بمن معه فمنعوه، وقالوا: لا يصلَّي(٧) واللَّه بالناس أبدا، ولكن إن أراد أن يصلَّي بأهله فليصلّ، فصلَّى بهم ومضى. فمرّ مروان بعبد الرحمن بن أزهر الزّهريّ، فقال له: هلمّ إليّ يا أبا عبد الملك، فلا يصل إليك مكروه ما بقي رجل من بني زهرة. فقال له: وصلتك رحم، قومنا على أمر(٨) فأكره أن أعرّضك لهم.
  وقال ابن عمر بعد ذلك - لمّا أخرجوا وندم على ما كان قاله لمروان -: لو وجدت / سبيلا إلى نصر هؤلاء لفعلت، فقد ظلموا وبغي عليهم. فقال ابنه سالم: لو كلَّمت هؤلاء القوم! فقال: يا بنيّ، لا ينزع هؤلاء القوم عمّا هم عليه، وهم بعين اللَّه، إن أراد أن يغيّر غيّر. قال: فمضوا «إلى ذي خشب»(٩)، وفيهم عثمان بن محمد بن أبي سفيان والوليد بن عتبة بن أبي سفيان، واتّبعهم العبيد والصّبيان والسّفلة يرمونهم. ثم رجع حريث رقّاصة وأصحابه إلى المدينة، وأقامت بنو أميّة ب «ذي خشب» عشرة أيام، وسرّحوا حبيب بن كرة(١٠) إلى يزيد بن معاوية يعلمونه،
(١) هو مروان بن الحكم وكان إذ ذاك في المدينة أخرجوه مع عثمان بن محمد بن أبي سفيان في وقعة الحرّة. (انظر «العقد الفريد» ج ٢ ص ٣١١).
(٢) الثقل: متاع المسافر وحشمه.
(٣) قال السيد مرتضى: أبان كسحاب مصروف، ثم قال: وأكثر النحاة والمحدّثين على منعه من الصرف للعلمية والوزن (انظر «تاج العروس» مادة أبن).
(٤) في ت: «لبني نهد» وهو تحريف.
(٥) في ت: «بعصا كادت».
(٦) يقال: حس بالشيء وأحس به وأحسه إذا شعر به.
(٧) كذا في ب، س، ح، ر: وفي ت: «لا تصلي واللَّه بالناس أبدا» وفي أ، م، ء: «لا نصلي واللَّه أبدا».
(٨) أي بيت قومنا على أمر فأكره الخ، أو أن المراد الإمر بالكسر وهو الأمر العظيم الشنيع، ومنه قوله تعالى: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً}.
(٩) خشب كجنب: واد على مسيرة ليلة من المدينة له ذكر كثير في الحديث و «المغازي» (ياقوت) ويقال له ذو خشب (انظر «تاج العروس» مادة خشب).
(١٠) كذا في ب، س، ح، غير مضبوط. وفي سائر النسخ: «كره» بالهاء غير مضبوط أيضا، ولم نجد ضبطه في «كتب اللغة». وضبط