أخبار الشنفري ونسبه
  ثعلبة بن امرئ القيس بن مازن بن الأزد - وهو غلام، فجعله الذي سباه في بهمة يرعاها مع ابنة له، فلما خلا بها الشنفري أهوى ليقبّلها، فصكَّت وجهه، ثم سعت إلى أبيها فأخبرته، فخرج إليه ليقتله، فوجده وهو يقول:
  /
  ألا هل أتى فيتان قومي جماعة ... بما لطمت كفّ الفتاة هجينها؟(١)
  ولو علمت تلك الفتاة مناسبي ... ونسبتها ظلَّت تقاصر دونها
  أليس أبي خير الأواس وغيرها ... وأميّ ابنة الخيرين لو تعلمينها(٢)
  إذا ما أروم الودّ بيني وبينها ... يؤمّ بياض الوجه منّي يمينها(٣)
  قال: فلما سمع قوله سأله: ممّن هو، فقال: أنا الشنفري، أخو بني الحارث بن ربيعة، وكان من أقبح الناس وجها، فقال له: لولا أني أخاف أن يقتلني بنو سلامان لأنكحتك ابنتي. فقال: عليّ إن قتلوك أن أقتل بك مائة رجل منهم، فأنكحه ابنته، وخلَّى سبيله، فسار بها إلى قومه، فشدت بنو سلامان خلافه(٤) على الرجل فقتلوه، فلما بلغه ذلك سكت ولم يظهر جزعا عليه، وطفق يصنع النبل، ويجعل أفواقها من القرون والعظام، ثم إن امرأته بنت السلامانيّ قالت له ذات يوم: لقد خست(٥) بميثاق أبي عليك، فقال:
  كأن قد - فلا يغررك مني تمكَّثي - ... سلكت طريقا بين يربغ فالسّرد(٦)
  وإنّي زعيم أن تثور عجاجتي ... على ذي كساء من سلامان أو برد
  هم عرفوني ناشئا ذا مخيلة ... أمشّي خلال الدار كالفرس الورد(٧)
  كأني إذا لم يمس في الحي مالك ... بتيهاء لا أهدى السّبيل ولا أهدي(٨)
  / قال: ثم غزاهم فجعل يقتلهم، ويعرفون نبله بأفواقها في قتلاهم، حتى قتل منهم تسعة وتسعين رجلا، ثم غزاهم غزوة، فنذروا به، فخرج هاربا، وخرجوا في إثره، فمر بامرأة منهم يلتمس الماء فعرفته، فأطعمته أقطا ليزيد عطشا، ثم استسقى فسقته رائبا، ثم غيّبت عنه الماء، ثم خرج من عندها، وجاءها القوم فأخبرتهم خبره، ووصفت صفته وصفة نبله، فعرفوه، فرصدوه على ركيّ لهم، وهو ركيّ ليس لهم ماء غيره، فلما جنّ عليه الليل أقبل إلى الماء، فلما دنا منه قال: إني أراكم، وليس يرى أحدا إنما يريد بذلك أن يخرج رصدا إن كان ثمّ، فأصاخ القوم وسكتوا. ورأى سوادا، وقد كانوا أجمعوا قبل إن قتل منهم قتيل أن يمسكه الذي إلى جنبه لئلا تكون حركة، قال:
  فرمى لمّا أبصر السواد، فأصاب رجلا فقلته، فلم يتحرك أحد، فلما رأى ذلك أمن في نفسه وأقبل إلى الرّكيّ،
(١) تقدم هذا البيت وما بعده في الترجمة نفسها برواية تختلف قليلا عن هذه والمعنى لا يتغير.
(٢) الخيرين: جمع خير بعد تخفيف الياء.
(٣) يريد أنه حين يريد تقبيلها لا يضع وجهه إلا على يدها التي تتلقى بها القبلة، ثم تصفعه بها، وقد ضبطت بعض الأصول يمينها بالرفع على أنه إقواء.
(٤) خلافه: بعده، أي بعد رحيل الشنفري.
(٥) خست بالميثاق: لم تف به.
(٦) جملة
«فلا يغررك مني تمكثي»
معترضة أي، كأنني قد سلكت ... إلخ، ويربغ والسرد: مكانان يمر بهما عندما يؤم بني سلامان.
(٧) مخيلة: خيلاء، الفرس الورد: الأحمر.
(٨) لعل مالكا هذا صهره الذي يثأر له، التيهاء: الصحراء يضل فيها السالك ويروى: «بتيماء».