ذكر أبي خراش الهذلي وأخباره
  على كساء، فوقف قليلا كأنه يصلح شيئا، وجازت بهم أم خراش فلم يعرضوا لها لئلا ينفر منهم، ووضعت العصاء على قعودها، وتواثبوا إليه ووثب يعدو.
  قال: فزاحمه على المحجّة(١) التي يسلك فيها على العقبة ظبي، فسبقه أبو خراش، وتصايح القوم: يا مخلد أخذا أخذا.
  قال: ففات الأخذ. فقالوا: ضربا ضربا، فسبق الضرب، فصاحوا: رميا رميا فسبق الرمي، وسبقت أمّ خراش إلى الحيّ فنادت: ألا إنّ أبا خراش قد قتل، فقام أهل الحيّ إليها، وقام أبوه وقال: ويحك ما كانت قصّته، فقالت:
  إن بني الدّيل عرضوا له الساعة في العقبة، قال: فما رأيت، أو ما سمعت،؟ قالت: سمعتهم يقولون: يا مخلد أخذا أخذا، قال: ثم سمعت ما ذا؟ قالت: ثم سمعتهم يقولون: ضربا ضربا، قال: ثم سمعت ما ذا؟ قالت: سمعتهم يقولون: رميا رميا، قال: فإن كنت سمعت رميا رميا / فقد أفلت، وهو منا قريب، ثم صاح: يا أبا خراش، فقال أبو خراش: يا لبّيك، وإذا هو قد وافاهم على أثرها. وقال أبو خراش في ذلك:
  رفوني وقالوا يا خويلد لم ترع ... فقلت وأنكرت الوجوه هم هم
  رفوني بالفاء: سكَّنوني وقالوا: لا بأس عليك.
  فغاررت شيئا والدّريس كأنما ... يزعزعه وعك من الموم مردم(٢)
  غاررت: تلبثت. والدّريس: الخلق من الثياب، ومثله الجرد والسّحق والحشيف. ومردم: لازم.
  تذكرت ما أين المفرّ وإنني ... بحبل الذي ينجي من الموت معصم(٣)
  فو اللَّه ما ربداء أو علج عانة ... أقبّ وما إن تيس رمل مصمّم(٤)
  بأسرع منّي إذ عرفت عديّهم ... كأني لأولاهم من القرب توأم(٥)
  وأجود منّي حين وافيت ساعيا ... وأخطأني خلف الثّنيّة أسهم(٦)
  أوائل بالشّدّ الذّليق وحثّني ... لدى المتن مشبوح الذراعين خلجم(٧)
  / تذكَّر ذحلا عندنا وهو فاتك ... من القوم يعروه اجتراء ومأثم(٨)
(١) المحجة: الطريق.
(٢) غاررت شيئا: تلبثت قليلا - والوعك: أذى الحمى، والموم: الحمى الشديدة، كأنه يقول: تلبثت قليلا وجسمي ينتفض، فتنتفض معه ثيابي الخلقة، كأن بجسمي حمى ملازمة.
(٣) «ما» زائدة، معصم: من أعصم به، أي استمسك، يريد أنه معتمد على اللَّه.
(٤ - ٥) ربداء: صفة موصوف محذوف، أي غزالة ربداء، والربداء: المغبرة اللون، والعلج: حمار الوحش، العانة: القطيع من حمر الوحش، أقب: دقيق الخصر ضامر البطن، مصمم: جاد في سيره، العدى: جماعة القوم يعدون، لأولاهم: لأولى سراياهم.
يقول: أقسم أنني حين أبصرتهم يعدون خلفي كنت أسرع من الغزالة وحمار الوحش الضامر والتيس المصمم، وقد كادوا يدركونني، فقد كنت لأولى سراياهم من القرب كأنني توءم لها.
(٦) الثنية: الطريق في الجبل، وقوله: «أجود» معطوف على «أسرع» أي ما كانت هذه الحيوانات أسرع مني، ولا أجود جريا حين وصلت سالما، وأخطأني أسهمهم.
(٧) وائل: طلب النجاة، الشد الذليق: الجري السريع. وفي س
«السيف الذليق»
ولا معنى له، والمثبت من هد: هج. حثني لدى المتن: أسرع بي على الجري، والمتن، الذهاب في الأرض، ومشبوح الذراعين: عظيمهما، الخلجم - كجعفر: الجسم العظيم، أو الطويل المنجذب الخلق. يقول: طلبت النجاة بسرعة الجري، وساعدني على ذلك جسمي القوي البنيان.
(٨) تذكر ذحلا ... إلخ: يتحدث عن خصمه، ويصفه بالفتك والجرأة وارتكاب المآثم.