كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر أبي خراش الهذلي وأخباره

صفحة 137 - الجزء 21

  على كساء، فوقف قليلا كأنه يصلح شيئا، وجازت بهم أم خراش فلم يعرضوا لها لئلا ينفر منهم، ووضعت العصاء على قعودها، وتواثبوا إليه ووثب يعدو.

  قال: فزاحمه على المحجّة⁣(⁣١) التي يسلك فيها على العقبة ظبي، فسبقه أبو خراش، وتصايح القوم: يا مخلد أخذا أخذا.

  قال: ففات الأخذ. فقالوا: ضربا ضربا، فسبق الضرب، فصاحوا: رميا رميا فسبق الرمي، وسبقت أمّ خراش إلى الحيّ فنادت: ألا إنّ أبا خراش قد قتل، فقام أهل الحيّ إليها، وقام أبوه وقال: ويحك ما كانت قصّته، فقالت:

  إن بني الدّيل عرضوا له الساعة في العقبة، قال: فما رأيت، أو ما سمعت،؟ قالت: سمعتهم يقولون: يا مخلد أخذا أخذا، قال: ثم سمعت ما ذا؟ قالت: ثم سمعتهم يقولون: ضربا ضربا، قال: ثم سمعت ما ذا؟ قالت: سمعتهم يقولون: رميا رميا، قال: فإن كنت سمعت رميا رميا / فقد أفلت، وهو منا قريب، ثم صاح: يا أبا خراش، فقال أبو خراش: يا لبّيك، وإذا هو قد وافاهم على أثرها. وقال أبو خراش في ذلك:

  رفوني وقالوا يا خويلد لم ترع ... فقلت وأنكرت الوجوه هم هم

  رفوني بالفاء: سكَّنوني وقالوا: لا بأس عليك.

  فغاررت شيئا والدّريس كأنما ... يزعزعه وعك من الموم مردم⁣(⁣٢)

  غاررت: تلبثت. والدّريس: الخلق من الثياب، ومثله الجرد والسّحق والحشيف. ومردم: لازم.

  تذكرت ما أين المفرّ وإنني ... بحبل الذي ينجي من الموت معصم⁣(⁣٣)

  فو اللَّه ما ربداء أو علج عانة ... أقبّ وما إن تيس رمل مصمّم⁣(⁣٤)

  بأسرع منّي إذ عرفت عديّهم ... كأني لأولاهم من القرب توأم⁣(⁣٥)

  وأجود منّي حين وافيت ساعيا ... وأخطأني خلف الثّنيّة أسهم⁣(⁣٦)

  أوائل بالشّدّ الذّليق وحثّني ... لدى المتن مشبوح الذراعين خلجم⁣(⁣٧)

  / تذكَّر ذحلا عندنا وهو فاتك ... من القوم يعروه اجتراء ومأثم⁣(⁣٨)


(١) المحجة: الطريق.

(٢) غاررت شيئا: تلبثت قليلا - والوعك: أذى الحمى، والموم: الحمى الشديدة، كأنه يقول: تلبثت قليلا وجسمي ينتفض، فتنتفض معه ثيابي الخلقة، كأن بجسمي حمى ملازمة.

(٣) «ما» زائدة، معصم: من أعصم به، أي استمسك، يريد أنه معتمد على اللَّه.

(٤ - ٥) ربداء: صفة موصوف محذوف، أي غزالة ربداء، والربداء: المغبرة اللون، والعلج: حمار الوحش، العانة: القطيع من حمر الوحش، أقب: دقيق الخصر ضامر البطن، مصمم: جاد في سيره، العدى: جماعة القوم يعدون، لأولاهم: لأولى سراياهم.

يقول: أقسم أنني حين أبصرتهم يعدون خلفي كنت أسرع من الغزالة وحمار الوحش الضامر والتيس المصمم، وقد كادوا يدركونني، فقد كنت لأولى سراياهم من القرب كأنني توءم لها.

(٦) الثنية: الطريق في الجبل، وقوله: «أجود» معطوف على «أسرع» أي ما كانت هذه الحيوانات أسرع مني، ولا أجود جريا حين وصلت سالما، وأخطأني أسهمهم.

(٧) وائل: طلب النجاة، الشد الذليق: الجري السريع. وفي س

«السيف الذليق»

ولا معنى له، والمثبت من هد: هج. حثني لدى المتن: أسرع بي على الجري، والمتن، الذهاب في الأرض، ومشبوح الذراعين: عظيمهما، الخلجم - كجعفر: الجسم العظيم، أو الطويل المنجذب الخلق. يقول: طلبت النجاة بسرعة الجري، وساعدني على ذلك جسمي القوي البنيان.

(٨) تذكر ذحلا ... إلخ: يتحدث عن خصمه، ويصفه بالفتك والجرأة وارتكاب المآثم.