كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر أبي خراش الهذلي وأخباره

صفحة 138 - الجزء 21

  تقول ابنتي لما رأتني عشيّة: ... سلمت وما إن كدت بالأمس تسلم

  فقلت وقد جاوزت صارى عشية: ... أجاوزت أولى القوم أم أنا أحلم⁣(⁣١)

  فلو لا دراك الشدّ آضت حليلتي ... تخيّر في خطَّابها وهي أيّم⁣(⁣٢)

  فتسخط أو ترضى مكاني خليفة ... وكاد خراش عند ذلك ييتم⁣(⁣٣)

  يسابق الخيل فيسبقها

  : أخبرني هاشم بن محمد الخراعيّ ومحمد بن الحسين الكنديّ خطيب المسجد الجامع بالقادسية قالا: حدثنا الرياشيّ قال: حدثنا الأصمعيّ قال: حدثني رجل من هذيل قال:

  دخل أبو خراش الهذليّ مكَّة وللوليد بن المغيرة المخزوميّ فرسان يريد أن يرسلهما في الحلبة، فقال للوليد:

  ما تجعل لي إن سبقتهما؟ قال: إن فعلت، فهما لك، فأرسلا، وعدا بينهما فسبقهما فأخذهما.

  قال الأصمعيّ: إذا فاتك الهذليّ أن يكون شاعرا أو ساعيا أو راميا فلا خير فيه.

  وأخبرني بما أذكره من مجموع أخبار أبي خراش عليّ بن سليمان الأخفش، عن أبي سعيد السكريّ، وأخبرني بما أذكره من مجموع أشعارهم وأخبارهم فذكره أبو سعيد، عن محمد بن حبيب، عن ابن الأعرابي، عن أبي حاتم، عن أبي عبيدة، وعن ابن حبيب عن أبي عمرو.

  يمدح دبية حيا ويرثيه ميتا

  : وأخبرني ببعضه محمد بن العباس اليزيديّ قال: حدّثنا الرياشيّ، عن الأصمعيّ، / وقد ذكرت ما رواه في أشعار هذيل وأخبارها كل واحد منهم عن أصحابه في مواضعه، قال السكريّ: فيما رواه عن ابن حبيب عن أبي عمرو قال:

  نزل أبو خراش الهذلي على دبيّة السّلميّ - وكان صاحب العزّى التي في غطفان وكان يسدنها، وهي التي هدمها خالد بن الوليد لما بعثه رسول اللَّه إليها فهدمها وكسرها وقتل دبيّة السّلميّ - قال: فلما نزل عليه أبو خراش أحسن ضيافته. ورأى في رجله نعلين قد أخلقتا، فأعطاه نعلين من حذاء السّبت⁣(⁣٤) فقال أبو خراش يمدحه:

  حذاني بعد ما خذمت نعالي ... دبيّة إنّه نعم الخليل⁣(⁣٥)

  مقابلتين من صلوي مشبّ ... من الثيران وصلهما جميل⁣(⁣٦)

  بمثلهما يروح المرء لهوا ... ويقضي الهمّ ذو الأرب الرّجيل⁣(⁣٧)


(١) صارى: جبل قبلي المدينة: وأولى القوم: أولى سراياه، يعني أنه نجا، ولم يصدق بالنجاة.

(٢) آضت: رجعت، يعني لولا سرعة جريه لرجعت حليلته - وهي أيم - تتخير خطيبا لها لها بعد موته، وفي بعض الأصول «آظت»، وفي بعضها «قاظت»، وفي «المختار»: «أمست».

(٣) خليفة مفعول لتسخط وترضى، وخراش هو ابنه، والبيت كله: كناية عن هلاكه.

(٤) السبت: الجلد المدبوغ.

(٥) خذم الحذاء - كسمع -: انقطع.

(٦) صلوى: تثنية صلا، والصلا: الظهر، يريد أنه أعطاه نعلا من جلد ظهر فتيّ من الثيران، وقوله: مقابلتين، يعني نعلين إحداهما تقابل الأخرى، ما أجمل وصلهما.

(٧) الرجيل: الراجل، أو المشاء، أي يمثل هاتين النعلين بلهو المرء، ويقضي ما هم به من المآرب إذا كان راجلا أو كثير المشي.