ذكر أبي خراش الهذلي وأخباره
  إني امرؤ أبكي على جاريّة ... أبكي على الكعبيّ والكعبيّه(١)
  ولو هلكت بكيا عليه ... كانا مكان الثوب من حقويّه(٢)
  / فلما فرغ من طوافه، وقضى حاجته من مكة خرج في الخلعاء من بكر وخزاعة، فاستجاشهم على بني لحيان، فقتل منهم قتلى، وسبى من نسائهم وذراريهم سبايا، وقال في ذلك:
  لقد أمسى بنو لحيان منّي ... بحمد اللَّه في خزى مبين
  تركتهم على الرّكبات صعرا ... يشيبون الذّوائب بالأنين(٣)
  يشكو إلى عمر فراق ابنه
  : أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ، قال: حدثني عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ قال: حدثني عمي قال:
  هاجر خراش بن أبي خراش الهذليّ في أيام عمر بن الخطاب ¥، وغزا مع المسلمين، فأوغل في أرض العدو، فقدم أبو خراش المدينة، فجلس بين يدي عمر، وشكا إليه شوقه إلى ابنه، وأنه رجل قد انقرض أهله، وقتل إخوته، ولم يبق له ناصر ولا معين غير ابنه خراش، وقد غزا وتركه، وأنشأ يقول:
  ألا من مبلغ عني خراشا ... وقد يأتيك بالنّبأ البعيد
  وقد يأتيك بالأخبار من لا ... تجهّز بالحذاء ولا تزيد
  - تزيد وتزوّد واحد، من الزاد -
  يناديه ليغبقه كليب ... ولا يأتي، لقد سفه الوليد(٤)
  / فردّ إناءه لا شيء فيه ... كأنّ دموع عينيه الفريد(٥)
  وأصبح دون عابقه وأمسى ... جبال من حرار الشام سود(٦)
  ألا فاعلم خراش بأنّ خبر ألم ... هاجر بعد هجرته زهيد(٧)
  رأيتك وابتغاء البرّدوني ... كمحصور اللَّبان ولا يصيد(٨)
  قال: فكتب عمر ¥ بأن يقبل خراش إلى أبيه، وألا يغزو من كان له أب شيخ إلا بعد أن يأذن له.
(١) الهاء من جارية. هاء السكت، ولعله يعني بالكعبي والكعبية جاره حاطما وامرأته. وتلك هي الحادثة التي أشار إليها في شعره سابقا.
(٢) الحقو: الخصر، والهاء من «عليه» و «حقويه» هاء السكت.
(٣) صعرا: جمع أصعر، والصعر: داء يصيب الإبل تلوي أعناقها منه استعاره للإنسان، أو هو ميل في أحد شقي الجسم، والمراد أنني أوقعت بهم على الركبات - اسم مكان - فأنوا أنينا يشيب الذوائب.
(٤) الكليب: من الكلب بمعنى الظمأ، يغبقه: يسقيه مساء، فاعل يناديه كليب، والهاء من يناديه ضمير خراش، أي ينادي أبو خراش الظامئ خراشا ليسقيه اللبن مساء، فلا مجيب، وهذا سفه وعقوق منه.
(٥) فاعل «رد» ضمير كليب، والفريد: اللؤلؤ، شبه الدمع باللؤلؤ في الصفاء.
(٦) الهاء من «غابقة» تعود على كليب: أبي خراش. حرار: جمع حرة، الأرض فيها حجارة سوداء، أي أصبح بين أبي خراش وساقيه - يعني خراشا - جبال ...
(٧) يقول له: إن جهادك في سبيل اللَّه مع تركي زهيد الأجر.
(٨) اللبان: موضع اللبب من الصدر، والمحصور: المشدود، يقول: إنك حين تبتغي الأجر بجهادك تاركا أباك كمن يريد الصيد، وهو مكتوف. ويروى: «كمخضوب اللبان».