أخبار ابن دارة ونسبه
  ولا تيأسا أن ترزقا أريحيّة ... كعين المها أعناقهنّ طوال(١)
  من الحارثيّين الذين دماؤهم ... حرام وأما مالهم فحلال
  وقال أيضا:
  ألم تر أنّي وابن أبيض قد جفت ... بنا الأرض إلا أن نؤمّ الفيافيا(٢)
  / طريدين من حيّين شتى أشدّنا ... مخافتنا حتى نخلنا التّصافيا(٣)
  وما لمته في أمر حزم ونجدة ... ولا لامني في مرّتي واحتياليا
  وقلت له إذ حلّ يسقي ويستقي ... وقد كان ضوء الصبح للَّيل حاديا:
  لعمري لقد لاقت ركابك مشربا ... لئن هي لم تضّبح عليهنّ عاليا(٤)
  بعض أخباره
  : وأخذت طيّئ ببهدل ومروان أخيه أشدّ الأخذ، وحبسوا، فقالوا: إن حبسنا لم نقدر عليهما ونحن محبوسون، ولكن خلَّوا عنا، حتى نتجسّس عنهما، فنأتيكم بهما، وكانا تأبدا مع الوحش يرميان الصّيد فهو رزقهما.
  ولما طال ذلك على مروان هبط إلى راع، فتحدث إليه فسقاه، وبسطه، حتى اطمأن إليه، ولم يشعره أنه يعرفه، فجعل يأتيه بين الأيام، فلا ينكره، فانطلق الراعي، فأخبره باختلافه إليه، فجاء معه الطلب، وأكمنهم، حتى إذا جاء مروان إلى الراعي كما كان يفعل سقاه، وحدثه فلم يشعر حتى أطافوا به، فأخذوه، وأتوا به عثمان بن حيان أيضا عامل الوليد بن عبد الملك على المدينة، فأعطى الذي دلّ عليه جعله، وقتله.
  نهاية بهدل
  : وأما بهدل فكان يأوي إلى هضبة سلمى، فبلغ ذلك سيّدا من سلمى(٥)، من طيء، فقال: قد أخيفت طيّء، وشرّدت من السهل من أجل هذا الفاسق الهارب، فجاء حتى حلّ بأهله أسفل تلك الهضبة ومعه أهلات(٦) من قومه، فقال لهم: إنكم بعيني الخبيث، فإذا كان النهار فليخرج الرجال من البيوت، / وليخلوا النساء، فإنه إذا رأى ذلك انحدر إلى القباب، وطلب الحاجة والعلّ(٧) فكانوا يخلون الرجال نهارا فإذا أظلموا ثابوا إلى رحالهم أياما، فظنّ بهدل أنهم يفعلون ذلك لشغل يأتيهم، فانحدر إلى قبة السّيّد، وقد أمر النساء: إن انحدر إليكن رجل فإنه ابن عمكن، فأطعمنه وادهنّ رأسه.
  وفي قبة السيد ابنتان له فسألهما: من أنتما؟ فأخبرتاه، وأطعمتاه، ثم انصرف فلما راح أبوهما أخبرتاه، فقال:
(١) أريحية: خيلا أريحية، أي كريمة الخلق، كعين المها: كبقر الوحش ذوات الأعين النجلاء، يريد أن هذه الخيل ربما جاءت لنجدته.
(٢) ابن أبيض: كناية عن زميل له في التشرد.
(٣) شتى: جمع شتيت بمعنى متفرقة، وأراد بالجمع ما فوق الواحد، نخلنا التصافيا: من نخل الشيء بمعنى خلصه من كل ما يشوبه، أي: أخلص كلانا لأخيه، والمعنى أنني أنا وابن أبيض من حيين مختلفين شتتنا الخوف، وألف بيننا ألفة وثيقة.
(٤) البيت مقول القول في البيت السابق، عليهن: على الآبار المفهومة من المقام، والمعنى: لاقت ركابك مشربا سائغا، إذا لم تضبح، أي تصهل، فيسمع الأعداء صهيلها عاليا.
(٥) في ف: «فبلغ ذلك سند بن سلمى».
(٦) أهلات: جمع أهل، وفي بعض المخطوطات: أهلاب - بالباء - وهو تصحيف.
(٧) العل: الشراب، وفي بعض النسخ «النقل» بدل «العل»، وربما كان ذلك تحريف «الحل» بكسر الحاء.