كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار ابن دارة ونسبه

صفحة 160 - الجزء 21

  أحسنتما إلى ابن عمكما، فجعل ينحدر إليهما، حتى اطمأنّ، وغسلتا رأسه، وفلَّتاه ودهنتاه، فقال الشيخ لابنتيه:

  أفلياه، ولا تدهناه إذا أتاكما هذه المرة، واعقدا خصل لمّته إذا نعس رويدا بخمل القطيفة.

  ثم إذا شددنا عليه فأقلبا القطيفة على وجهه، وخذا أنتما بشعره من ورائه فمدّا به إليكما، ففعلتا، واجتمع له أصحابه، فكروا إلى رحالهم قبل الوقت الذي كانوا يأتونها، وشدّوا عليه، فربطوه، فدفعوه إلى عثمان بن حيّان، فقتله، فقالت بنت بهدل ترثيه:

  فيا ضيعة الفتيان إذ يعتلونه ... ببطن الشّرى مثل الفنيق المسدم⁣(⁣١)

  دعا دعوة لما أتى أرض مالك ... ومن لا يجب عند الحفيظة يسلم⁣(⁣٢)

  / أما كان في قيس من ابن حفيظة ... من القوم طلَّاب التّرات غشمشم⁣(⁣٣)

  فيقتل جبرا بامرئ لم يكن به ... بواء ولكن لا تكايل بالدم⁣(⁣٤)

  وكان دعا: يا لمالك لينتزعوه، فلم يجبه أحد.

  مساجلة بينه وبين الكميت

  : قال: ولما قال عبد الرحمن بن دارة ابن عم سالم بن دارة هذه القصيدة⁣(⁣٥) يحضّ عكلا على بني فقعس اعترض الكميت بن معروف الفقعسيّ، فعيره بقتل سالم حين قتله زميل الفزاريّ، فقال قوله:

  فلا تكثروا فيه الضّجاج فإنه ... محا السيف ما قال ابن دارة أجمعا

  فقال عبد الرحمن بن دارة:

  فيا راكبا إمّا عرضت فبلَّغن ... مغلغلة عنّي القبائل من عكل

  جلت حمما عنها القصاف وما جلت ... قشير وفي الشّدّات والحرب ما يجلي⁣(⁣٦)

  فإن بك باع الفقعسيّ دماءهم ... بوكس فقد كانت دماؤكم تغلي⁣(⁣٧)

  / وكيف تنام الليل عكل ولم يكن ... لها قود بالسّمهريّ ولا عقل⁣(⁣٨)


(١) يعتلونه: من عتله يعتله - بمعنى قاده بعنف وغلظة، الفنيق: فحل الإبل، المسدم: الهائج الممتنع ركوبه.

(٢) الحفيظة: الحرب، ويسلم - بالبناء المجهول - بمعنى يسلم نفسه لأعدائه.

(٣) الغشمشم: المقدام الذي يقتحم الحروب غير هياب، وفي ف «كريمة» بدل «حفيظة».

(٤) جبر المشار إليه في البيت هو جبر بن عبيد الذي دفع بهدلا إلى السلطان فقتله، بواء: كفء، لا تكايل في الدم: لا تقدر الدماء بالكيل، والمعنى: أما كان في قيس رجل شجاع يقتل جبرا قاتل أبي، وإن لم يكن كفئا له، ولو كانت الدماء تكال ما أجزأت دماء جبر في دماء أبي، والمراد بتقدير الدم الكيف لا الكم.

(٥) يعني القصيدة اللامية التي تقدم ذكرها في أول الترجمة، ويلاحظ أنه هنا يقول: «يحض بها عكلا على بني فقعس، وهناك قال:

«يحض بها عكلا على بني أسد».

(٦) في البيت اضطراب وخلاف كبير في رواية ألفاظه، والذي نرجحه في معناه هو ما يلي: القصاف: فرس مشهورة لبني قشير، الحمم: ما خمد من النيران، يقول: إن القصاف أو قدت النيران بأرضكم، وما جلا قومها قشير عنكم، ولو أنكم شددتم في الحرب عليهم لأجليتموهم، والكلام على سبيل التمثيل، فهو لا يريد «قشيرا» ولكن يريد «فقعسا» أو «أسدا» على الخلاف الذي تقدم ذكره.

(٧) يقول: إن يكن الفقعسي الذي أسلم ندمائي باع دماءهم رخيصة فقد كانت دماؤكم تغلي حمية لأخذ الثأر، فما بالكم لا تفعلون!.

(٨) ورد هذا البيت هنا وفيه إقواء، مع أنه تقدم سالما من هذا الإقواء، فارجع إليه وإلى بقية الأبيات في القصيدة اللامية التي تقدمت في مبدأ الترجمة.