نسب الفرزدق وأخباره وذكر مناقضاته
  وإذا ناحبت(١) كلب على الناس أيّهم ... أحقّ بتاج الماجد المتكرّم(١)
  على نفر هم من نزار ذوي العلا ... وأهل الجراثيم التي لم تهدّم(٢)
  فلم يجز عن أحسابهم غير غالب ... جرى بعنان كَّل أبيض خضرم(٣)
  سحيم يعجز عن مباراة أبيه في كرمه
  : أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة، عن جهم السليطيّ، عن إياس بن شبة، عن عقال بن صعصعة، قال:
  أجدبت بلاد تميم، وأصابت بني حنظلة سنة(٤) في خلافة عثمان، فبلغهم خصب عن بلاد كلب بن وبرة، فانتجعتها بنو حنظلة، فنزلوا أقصى الوادي، وتسرّع غالب بن صعصعة فيهم وحده دون بني مالك(٥) بن حنظلة، ولم يكن مع بني يربوع من بني مالك غير غالب(٥)، فنحر ناقته فأطعمهم إيّاها، فلما وردت إبل سحيم بن وثيل الرّياحيّ حبس منها ناقة، فنحرها من غد، فقيل لغالب: إنما نحر سحيم مواءمة لك - أي مساواة لك - فضحك غالب، وقال: كلا، ولكنه امرؤ كريم، وسوف أنظر في ذلك، فلما وردت إبل غالب حبس منها ناقتين، فنحرهما، فأطعمهما بني يربوع، فعقر سحيم ناقتين، فقال غالب: الآن علمت أنه يوائمني، فقعر غالب عشرا، فأطعمها بني يربوع فعقر سحيم عشرا، فلما بلغ غالبا فعله ضحك، وكانت إبله ترد لخمس، فلما وردت عقرها كلها عن آخرها، / فالمكثر يقول: كانت أربعمائة، والمقلّ يقول: كانت مائة، فأمسك سحيم حينئذ؛ ثم إنه عقر في خلافة عليّ بن أبي طالب ~ بكناسة الكوفة مائتي ناقة وبعير، فخرج الناس بالزنابيل / والأطباق والحبال لأخذ اللحم، ورآهم عليّ #، فقال: أيّها الناس لا يحل لكم، إنّما أهلّ(٦) بها لغير اللَّه ø. قال: فحدثني من حضر ذلك قال: كان الفرزدق يومئذ مع أبيه وهو غلام، فجعل غالب يقول: يا بنيّ، أردد عليّ، والفرزدق يردّها عليه، ويقول له: يا أبت اعقر، قال جهم: فلم يغن عن سحيم فعله، ولم يجعل كغالب إذا لم يطق فعله.
  يقيد نفسه حتى يحفظ القرآن
  : حدثني محمد بن يحيى عن محمد بن القاسم - يعني أبا العيناء - عن أبي زيد النحويّ، عن أبي عمرو قال:
  جاء غالب أبو الفرزدق إلى عليّ بن أبي طالب ~ بالفرزدق بعد الجمل بالبصرة، فقال: إن ابني هذا من شعراء مضر(٧) فاسمع منه، قال: علمه القرآن، فكان ذلك في نفس الفرزدق، فقيّد نفسه في وقت، وآلى:
  لا يحلّ قيده حتى يحفظ القرآن.
(١) في ب «ناديت» بدل «ناحبت» وناحبت: راهنت.
(٢) الجراثيم: جمع جرثومة، وهي الأصل.
(٣) الخضرم: الكريم المعطاء.
(٤) سنة: جدب.
(٥ - ٥) التكملة من هد، هج.
(٦) يقال: أهل الذابح: رفع صوته عند ذبح الضحية باسم من قدمها قربانا له.
(٧) في هج، هد: «أن ابني هذا من أشعر مضر، أو شاعر مضر».