كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب الفرزدق وأخباره وذكر مناقضاته

صفحة 184 - الجزء 21

  وإذا ناحبت⁣(⁣١) كلب على الناس أيّهم ... أحقّ بتاج الماجد المتكرّم⁣(⁣١)

  على نفر هم من نزار ذوي العلا ... وأهل الجراثيم التي لم تهدّم⁣(⁣٢)

  فلم يجز عن أحسابهم غير غالب ... جرى بعنان كَّل أبيض خضرم⁣(⁣٣)

  سحيم يعجز عن مباراة أبيه في كرمه

  : أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة، عن جهم السليطيّ، عن إياس بن شبة، عن عقال بن صعصعة، قال:

  أجدبت بلاد تميم، وأصابت بني حنظلة سنة⁣(⁣٤) في خلافة عثمان، فبلغهم خصب عن بلاد كلب بن وبرة، فانتجعتها بنو حنظلة، فنزلوا أقصى الوادي، وتسرّع غالب بن صعصعة فيهم وحده دون بني مالك⁣(⁣٥) بن حنظلة، ولم يكن مع بني يربوع من بني مالك غير غالب⁣(⁣٥)، فنحر ناقته فأطعمهم إيّاها، فلما وردت إبل سحيم بن وثيل الرّياحيّ حبس منها ناقة، فنحرها من غد، فقيل لغالب: إنما نحر سحيم مواءمة لك - أي مساواة لك - فضحك غالب، وقال: كلا، ولكنه امرؤ كريم، وسوف أنظر في ذلك، فلما وردت إبل غالب حبس منها ناقتين، فنحرهما، فأطعمهما بني يربوع، فعقر سحيم ناقتين، فقال غالب: الآن علمت أنه يوائمني، فقعر غالب عشرا، فأطعمها بني يربوع فعقر سحيم عشرا، فلما بلغ غالبا فعله ضحك، وكانت إبله ترد لخمس، فلما وردت عقرها كلها عن آخرها، / فالمكثر يقول: كانت أربعمائة، والمقلّ يقول: كانت مائة، فأمسك سحيم حينئذ؛ ثم إنه عقر في خلافة عليّ بن أبي طالب ~ بكناسة الكوفة مائتي ناقة وبعير، فخرج الناس بالزنابيل / والأطباق والحبال لأخذ اللحم، ورآهم عليّ #، فقال: أيّها الناس لا يحل لكم، إنّما أهلّ⁣(⁣٦) بها لغير اللَّه ø. قال: فحدثني من حضر ذلك قال: كان الفرزدق يومئذ مع أبيه وهو غلام، فجعل غالب يقول: يا بنيّ، أردد عليّ، والفرزدق يردّها عليه، ويقول له: يا أبت اعقر، قال جهم: فلم يغن عن سحيم فعله، ولم يجعل كغالب إذا لم يطق فعله.

  يقيد نفسه حتى يحفظ القرآن

  : حدثني محمد بن يحيى عن محمد بن القاسم - يعني أبا العيناء - عن أبي زيد النحويّ، عن أبي عمرو قال:

  جاء غالب أبو الفرزدق إلى عليّ بن أبي طالب ~ بالفرزدق بعد الجمل بالبصرة، فقال: إن ابني هذا من شعراء مضر⁣(⁣٧) فاسمع منه، قال: علمه القرآن، فكان ذلك في نفس الفرزدق، فقيّد نفسه في وقت، وآلى:

  لا يحلّ قيده حتى يحفظ القرآن.


(١) في ب «ناديت» بدل «ناحبت» وناحبت: راهنت.

(٢) الجراثيم: جمع جرثومة، وهي الأصل.

(٣) الخضرم: الكريم المعطاء.

(٤) سنة: جدب.

(٥ - ٥) التكملة من هد، هج.

(٦) يقال: أهل الذابح: رفع صوته عند ذبح الضحية باسم من قدمها قربانا له.

(٧) في هج، هد: «أن ابني هذا من أشعر مضر، أو شاعر مضر».