1 - خبر أبي قطيفة ونسبه
  وكتبوا اليه يسألونه(١) الغوث. وبلغ أهل المدينة أنهم وجّهوا رجلا إلى يزيد، فخرج محمد بن عمرو بن حزم ورجل من بني سليم من بهز(٢) وحريث رقّاصة وخمسون راكبا فأزعجوا / بني أميّة منها، فنخس حريث بمروان(٣) فكاد يسقط عن ناقته، فتأخّر عنها وزجرها وقال: اعلي واسلمي. فلما كانوا «بالسّويداء»(٤) عرض لهم مولى لمروان، فقال: جعلت فداك! لو نزلت فأرحت وتغدّيت! فالغّداء حاضر كثير قد أدرك(٥). فقال: لا يدعني رقّاصة وأشباهه، وعسى أن يمكَّن اللَّه منه فتقطع يده. ونظر مروان إلى ماله ب «ذي خشب» فقال: لا مال إلا ما أحرزته العياب(٦).
  فمضوا فنزلوا «حقيلا»(٧) أو «وادي القرى»، وفي ذلك يقول الأحوص:
  / لا ترثينّ لحزميّ رأيت به ... ضراَّ ولو سقط الحزميّ في النار
  الناخسين بمروان بذي خشب ... والمقحمين على عثمان في الدار
  قال المدائنيّ: فدخل حبيب بن كرة على يزيد - وهو واضع رجله في طست لوجع كان يجده - بكتاب بني أميّة وأخبره الخبر. فقال: أما كان بنو أميّة ومواليهم ألف رجل؟ قال: بلى! وثلاثة آلاف. قال: أفعجزوا أن يقاتلوا ساعة من نهار؟ قال: كثرهم(٨) الناس ولم تكن لهم بهم طاقة. فندب الناس وأمّر عليهم صخر بن أبي الجهم القينيّ، فمات قبل أن يخرج الجيش، فأمّر مسلم بن عقبة الذي يسمّى مسرفا. قال: وقال ليزيد: ما كنت مرسلا إلى المدينة أحدا إلا قصّر وما صاحبهم غيري، إنّي رأيت في منامي شجرة غرقد(٩) تصيح: على يدي مسلم، فأقبلت نحو الصوت فسمعت قائلا يقول: أدرك ثأرك(١٠) أهل المدينة قتلة عثمان فخرج مسلم وكان من قصّة الحرّة ما كان على يده، وليس هذا موضعه. فقال أبو قطيفة في ذلك - لما أخرجوا عن المدينة -:
  صوت من غير المائة فيه لحنان
  شعر أبي قطيفة في تشوّقه إلى المدينة
  بكى أحد لما تحمّل أهله ... فكيف بذي وجد من القوم آلف
  من اجل أبي بكر جلت عن بلادها ... أميّة، والأيام ذات تصارف
في «تاريخ ابن جرير الطبريّ» طبع ليدن قسم ٢ ص ٤٠٨ بضم الكاف وتشديد الراء المفتوحة. ولعل ضبطه «كرة» بفتح الكاف وتشديد الراء المفتوحة، سمّى بالمرة من الكَّر.
(١) كذا في ب، س، ح، ر. وفي سائر النسخ: «وكتبوا إليه الغوث الغوث».
(٢) في ب، س، ح، ر: «سليم بن بهز» وهو تحريف.
(٣) في ت: «مروان» من غير باء.
(٤) السويداء: موضع على ليلتين من المدينة على طريق الشام. (ياقوت).
(٥) أي حان إناه وانتهى نضجه.
(٦) العياب: جمع عيبة وهي وعاء من أدم يكون فيها المتاع.
(٧) حقيل: موضع. ووادي القرى: واد بين المدينة والشام من أعمال المدينة كثير القرى، وإليه ينسب عمر الوادي (ياقوت).
(٨) أي غلبوهم بكثرتهم.
(٩) الغرقد: الشجر العظيم.
(١٠) ثأرك: الرجل الذي أصاب حميمك؛ ومنه:
قتلت به ثأري وأدركت تؤرتي