كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار خالد بن عبد الله

صفحة 289 - الجزء 22

  له: دونك. فقال: يا أبا الخطاب أحسن واللَّه ريسان العذرى - قاتله اللَّه - قال: وفيم أحسن؟ قلت: حيث يقول:

  لو جزّ بالسيف رأسي في مودّتها ... لمال لا شك يهوي نحوها رأسي

  فقال: نعم أحسن، فقلت: يا أبا الخطاب، وأحسن واللَّه تحيّة بن جنادة العذريّ، قال: في ماذا؟ قلت: حيث يقول:

  سرت لعينيك سلمى بعد مغفاها ... فبتّ مستوهنا من بعد مسراها

  فقلت: أهلا وسهلا من هداك لنا ... إن كنت تمثالها أو كنت إيّاها

  وفي رواية الزبير خاصة:

  تأتي الرياح من نحو أرضكم ... حتى أقول: دنت منّا بريّاها

  وقد تراخت بها عنّا نوّى قذف ... هيهات مصبحها من بعد ممساها⁣(⁣١)

  من حبّها أتمنّى أن يلاقيني ... من نحو بلدتها ناع فينعاها

  كيما أقول: فراق لا لقاء له ... وتضمر اليأس نفسي ثم تسلاها

  / ولو تموت لراعتني وقلت لها: ... يا بؤس للدهر ليت الدهر أبقاها

  ويروى.

  ... لراعتني منيّتها ... وقلت يا بؤس ليت الدهر أبقاها

  فضحك عمر ثم قال: يا ويحه أحسن واللَّه، لقد هيجتما عليّ ما كان ساكنا مني فلأ حدّثنكما حديثا حلوا: بينا أنا أوّل أعوامي جالس إذا بخالد الخريت قال: مررت بأربع نسوة قبيل⁣(⁣٢)، يردن ناحية كذا وكذا من مكة، لم أر مثلهن قط، فيهن هند، فهل لك أن تأتيهن متنكرا فتسمع من حديثهن، ولا يعلمن؟ فقلت: وكيف لي بأن يخفى ذلك؟ قال: تلبس لبسة الأعراب، ثم تقعد على قعود، كأنك تنشد ضالة، فلا يشعرن حتى تهجم عليهن، قال:

  فجلست على قعود. ثم أتيتهنّ فسّلمت عليهن، فآنسنني، وسألنني أن أنشدهن، فأنشدتهن لكثيّر وجميل وغيرهما، وقلن: يا أعرابي، ما أملحك، لو نزلت، فتحدثت معنا يومنا هذا، فإذا أمسيت انصرفت، فأنخت قعودي، وجلست معهن، فحدثتهن، وأنشدتهن، فدنت هند، فمدّت يدها، فجذبت عمامتي، فألقتها عن رأسي، ثم قالت: تاللَّه لظننت أنك خدعتنا، نحن واللَّه خدعناك، أرسلنا إليك خالدا الخرّيت في إتياننا بك على أقبح هيئتك، ونحن على أحسن هيئتنا. ثم أخذن بنا في الحديث، فقالت إحداهن: يا سيدي لو رأيتني⁣(⁣٣) منذ أيام، وأصبحت عند أهلي، فأدخلت رأسي / في جيبي، فنظرت إلى حرى، فرأيته ملء العسّ والقسّ⁣(⁣٤) فصحت: يا عمراه! فصحت⁣(⁣٥): لبيك


(١) قذف: بعيدة تتقاذف بمن تصيبه، مصبح وممسى: مصدران ميميان، أو اسما مكان أو زمان من أصبح وأمسى، وفي هد، هج

«هيهات مصبحها عنا وممساها»

(٢) قبيل: متشابهات.

(٣) في هد «لقد رأيتني» بضم التاء.

(٤) العس: القدح الكبير، أما القس فلامكان له هنا، ونرجح أنهما تحريف «العين والنفس».

(٥) تاء «صحت» الأولى ضمير المرأة المتحدثة، وتاء «صحت» الثانية ضمير ابن أبي ربيعة.