كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار صخر بن الجعد ونسبه

صفحة 293 - الجزء 22

  لعل البكا يا كأس إن نفع البكا ... يقرّب دنيانا لنا فيعيدها

  وكانت تناهت لوعة الودّ بيننا ... فقد أصبحت يبسا وأذبل عودها⁣(⁣١)

  / ويروى: وقد ذاء عودها يقال: ذبل وذأى وذوى بمعنى واحد.

  ليالي ذات الرمس لا زال هيجها ... جنوبا ولا زالت سحاب تجودها⁣(⁣٢)

  وعيش لنا في الدهر إذ كان قلبه ... يطيب لديه بخل كأس وجودها⁣(⁣٣)

  تذكَّرت كأسا إذ سمعت حمامة ... بكت في ذرا نخل طوال جريدها

  دعت ساق حرّ فاستجبت لصوتها ... مولَّهة لم يبق إلا شريدها⁣(⁣٤)

  فيا نفس صبرا كلّ أسباب واصل ... ستنمي لها أسباب هجر تبيدها

  قال أبو الحسن الأخفش:

  ستنمي لها أسباب صرم تبيدها أجود.

  وليل بدت للعين نار كأنها ... سنا كوكب للمستبين خمودها⁣(⁣٥)

  فقلت: عساها نار كأس وعلَّها ... تشكَّى فأمضي نحوها وأعودها⁣(⁣٦)

  فتسمع قولي قبل حتف يصيدني ... تسرّ به أو قبل حتف يصيدها

  كأن لم نكن يا كأس إلفى مودة ... إذ الناس والأيام ترعى عهودها

  من شعره في تجواله

  أخبرني عبد اللَّه بن مالك النحوي، قال: حدثنا محمد بن حبيب، قال:

  لما ضرب صخر بن الجعد الحدّ لكأس، وصارت إلى زوجها ندم على ما فرط منه، / واستحيا من الناس للحدّ الذي ضربه، فلحق بالشام، فطالت غيبته بها، ثم عاد فمرّ بنخل كان لأهله ولأهل كأس، فباعوه، وانتقلوا إلى الشام، فمر بها صخر ورأى المبتاعين لها يصرمونها⁣(⁣٧)، فبكى عند ذلك بكاء شديدا، وأنشأ يقول:


(١) في هد، هج «زرعة» بدل «لوعة» والمعنى يستقيم على روايتها.

(٢) ليالي مضاف إلى الجملة بعدها، ذات الرمس: مكان. الهيج: الريح، يقول: إن زرعة الود كانت تناهت بينهما ليالي كانت تهب الريح فيها جنوبا، وكانت السحاب تمطر فيها، والسحاب يذكر ويؤنث.

(٣) عيش: معطوف على «ذات الرمس».

(٤) ساق حر: ذكر القماري، وفي رواية «فاستحثت» وفي الأصل «فاستحث» وفي هد: «فاستجبت» وهذا هو الذي نرجحه، يريد أن الحمامة دعت القمري فاستجبت أنا لندائها حال كونها مولهة ... الخ.

(٥) وليل واورب، ورابط جملة الخبر محذوف، تقديره بدت العين نار فيه. وفي هج «لا تستبين» بدل «للمستبين» أي أنها نار لا ترى العين لها خمودا، بل هي متقدة دائما.

(٦) رفع «أمضى وأعود» لضرورة الشعر، فالقياس النصب.

(٧) صرم النخلة: جذها.