كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر الخبر في حروب الفجار وحروب عكاظ

صفحة 308 - الجزء 22

  فوثب رجل من بني نصر بن معاوية، يقال له الأحمر⁣(⁣١) بن مازن بن أوس بن النابغة، فضربه بالسيف على ركبته، فأندرها⁣(⁣٢)، ثم قال: خذها إليك أيها المخندف، وهو ماسك⁣(⁣٣) سيفه، وقام أيضا رجل من هوازن، فقال:

  أنا ابن همدان ذوي التّغطرف ... بحر بحور زاخر لم ينزف⁣(⁣٤)

  نحن ضربنا ركبة المخندف ... إذ مدّها في أشهر المعرّف⁣(⁣٥)

  وفي هذه الضربة أشعار لقيس كثيرة لا معنى لذكرها.

  اليوم الثاني من أيام الفجار الأول

  ثم كان اليوم الثاني من أيام الفجار الأول، وكان السبب في ذلك أن شبابا من قريش وبني كنانة كانوا ذوي غرام، فرأوا امرأة من بني عامر جميلة وسيمة، وهي جالسة بسوق عكاظ في درع وهي فضل⁣(⁣٦) عليها برقع لها، وقد اكتنفها شباب من العرب، وهي تحدثهم، فجاء الشباب من بني كنانة وقريش، فأطافوا بها، وسألوها أن تسفر، فأبت، فقام أحدهم، فجلس خلفها، وحل طرف ردائها⁣(⁣٧)، وشدّه إلى فوق / حجزتها⁣(⁣٨) بشوكة، وهي لا تعلم، فلما قامت انكشف درعها عن دبرها، فضحكوا، وقالوا: منعتنا النظر إلى وجهك، وجدت لنا بالنظر إلى دبرك، فنادت: يا آل عامر! فثاروا، وحملوا السلاح، وحملته كنانة، واقتتلوا قتالا شديدا، ووقعت بينهم دماء، فتوسط حرب بن أمية، واحتمل دماء القوم، وأرضى بني عامر من مثلة⁣(⁣٩) صاحبتهم.

  اليوم الثالث من أيام الفجار الأول

  ثم كان اليوم الثالث من الفجار الأول، وكان سببه أنّه كان لرجل من بني جشم بن بكر بن هوازن دين على رجل من بني كنانة فلواه⁣(⁣١٠) به، وطال اقتضاؤه إياه، فلم يعطه شيئا، فلما أعياه، وافاه الجشمي في سوق عكاظ بقرد، ثم جعل ينادي: من يبيعني مثل هذا الرّبّاح⁣(⁣١١) بما لي على فلان بن فلان الكناني؟ من يعطيني مثل هذا بما لي على فلان بن فلان الكناني؟ رافعا صوته بذلك، فلما طال نداؤه بذلك وتعبيره به كنانة مرّ به رجل منهم، فضرب القرد بسيفه، فقتله، فهتف به الجشميّ: يا آل هوازن، وهتف الكنانيّ: يا آل كنانة، فتجمع الحيان فاقتتلوا، حتى تحاجزوا، ولم يكن بينهم قتلى، ثم كفوا، وقالوا: أفي ربّاح تريقون دماءكم، وتقتلون أنفسكم؟ وحمل ابن جدعان ذلك في ماله بين الفريقين.


(١) في بعض النسخ: «الأحيمر» بالتصغير بدل الأحمر.

(٢) أندرها: أسقطها، وفصلها.

(٣) كذا في النسخ، والمسموع ممسك سيفه، أو ماسك بسيفه.

(٤) الشعر من الرجز - وفي هد، هج

«أنا أبو الدهقان ذو التغطرف»

ولا يستقيم الوزن، والتغطرف: التيه والخيلاء، لم ينزف: لم ينضب ماؤه.

(٥) في أشهر المعرف: في أشهر الوقوف بعرفات.

(٦) فضل: يقال: امرأة فضل - بضمتين - أي مختالة تسبل من فضل ردائها.

(٧) في هد، هج: «طرف درعها».

(٨) الحجزة: معقد تكة السراويل، وفي هج: «فوق عجزها» بدل «فوق حجزتها».

(٩) من مثلة صاحبتهم: من تنكيلهم وتمثيلهم بها.

(١٠) لواه: ماطله.

(١١) الرباح: الذكر من القرود.