ذكر الخبر في حروب الفجار وحروب عكاظ
  من المستجير بخباء سبيعة
  وكان مسعود بن معتّب الثقفيّ قد ضرب على امرأته سبيعة بنت عبد شمس بن عبد مناف خباء، وقال لها: من دخله من قريش فهو آمن، فجعلت توصل في خبائها؛ ليتسع(١)، فقال لها: لا يتجاوزني(٢) خباؤك فإني لا أمضي لك إلا من أحاط به الخباء، فأحفظها(٣) فقالت: أما واللَّه إني لأظن أنك ستودّ أن لو زدت في توسعته(٤)، فلما انهزمت قيس دخلوا خباءها مستجيرين بها فأجار لها حرب بن أمية جيرانها، / وقال لها: يا عمة، من تمسّك بأطناب خبائك، أودار حوله فهو آمن، فنادت بذلك، فاستدارت قيس بخبائها، حتى كثروا جدا، فلم يبق أحد لا نجاة(٥) عنده إلا دار بخبائها فقيل لذلك الموضع: مدار قيس، وكان يضرب به المثل، فتغضب قيس منه، وكان زوجها مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قيس - وهو من ثقيف - قد أخرج معه يومئذ بنيه من سبيعة، وهم عروة ولوحة(٦)، ونويرة، والأسود، فكانوا يدورون - وهم غلمان - في قيس يأخذون بأيديهم إلى خباء أمهم، ليجيروهم، فيسودوا، بذلك أمرتهم أمهم أن يفعلوا.
  رواية أخرى لخبر خباء سبيعة
  فأخبرني الحرمي والطوسي: قالا: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثني محمد بن الحسن، عن المحرز بن جعفر وغيره:
  أنّ كنانة وقيسا لما توافوا من العام المقبل من مقتل عروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب ضرب مسعود الثقفيّ على امرأته سبيعة بنت عبد شمس أمّ بنيه خباء، فرآها تبكي حين تدانى الناس، فقال لها: ما يبكيك؟ فقالت: لما(٧) يصاب غدا من قومي، فقال لها: من دخل خباءك فهو آمن، فجعلت توصل فيه القطعة بعد القطعة والخرقة والشيء ليتسع، فخرج وهب بن معتب حتى وقف عليها، وقال لها: لا يبقى طنب من أطناب هذا البيت إلا ربطت به رجلا من بني كنانة،(٨) فلما صفّ القوم بعضهم لبعض خرجت سبيعة(٨) فنادت بأعلى صوتها: إن وهبا يأتلي ويحلف ألَّا يبقى طنب من أطناب هذا البيت إلا ربط به رجلا من كنانة، فالجدّ الجدّ، فلما / هزمت قيس لجأ نفر منهم إلى خباء سبيعة بنت عبد شمس، فأجارهم حرب بن أميّة.
  قيس تلجأ إلى خباء سبيعة فيجيرهم حرب بن أميّة
  أخبرني هاشم بن محمد قال: حدثنا أبو غسّان دماذ، عن أبي عبيدة، قال:
  لما هزمت قيس لجأت إلى خباء سبيعة، حتى أخرجوها منه، فخرجت، فنادت: من تعلَّق بطنب من أطناب
(١) إنما فعلت ذلك على اعتبار أن الدائرة تدور على قومها من قريش، فيتسع الخباء لأكبر عدد ممكن.
(٢) في هد، هج: «لا تتجاوزي خباءك».
(٣) أحفظها: أغضبها، وأوغر صدرها.
(٤) تريد بعبارتها هذه أن الدائرة ستدور على قومه هو، لا على قومها هي. فيلوذ بهذا الخباء المنهزمون من رجاله، وحينئذ يود لو اتسع لأكبر عدد ممكن، وهذا هو ما حدث في نهاية الموقعة.
(٥) في هد، هج: «فلم يبق أحد أراد نجاة عنده إلا دار بخبائها».
(٦) في هد، هج: «الأوحد».
(٧) كان القياس أن يقول: «لمن يصاب غدا من قومي» ولكن هكذا في جميع النسخ التي بأيدينا، فلعلها اعتبرت أن الإصابة تقع على المحاربين والخيول والإبل ونحوها، ومعلوم أن «ما» تقع على العاقل مع غيره.
(٨ - ٨) التكملة من هد، ويبدو أن نداءها كان موجها إلى قومها من قريش، لا إلى قوم بعلها من قيس.