كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عبيد بن الأبرص ونسبه

صفحة 328 - الجزء 22

  الشعر على السنة الأفاعي

  وقرأت في بعض الكتب، عن ابن الكلبي، عن أبيه، وهو خبر مصنوع، يتبين التوليد فيه:

  أنّ عبيد بن الأبرص سافر في ركب من بني أسد، فبيناهم يسيرون إذا هم بشجاع يتمعّك⁣(⁣١) على الرمضاء فاتحا فاه من العطش، وكانت مع عبيد فضلة من ماء ليس معه ماء غيرها، فنزل فسقاه الشجاع عن آخره حتى روي وانتعش، فانساب في الرمل، فلما كان من الليل، ونام القوم ندّت رواحلهم، فلم ير لشيء منها أثر، فقام كل واحد يطلب راحلته، فتفرقوا، فبينا عبيد كذلك؛ وقد أيقن بالهلكة والموت إذا هو بهاتف يهتف به:

  يا أيّها الساري المضلّ مذهبه ... دونك هذا البكر منّا فاركبه⁣(⁣٢)

  وبكرك الشارد أيضا فاجنبه ... حتى إذا الليل تجلَّى غيهبه⁣(⁣٣) ... فحط عنه رحله وسيّبه

  فقال له عبيد: يا هذا المخاطب، نشدتك اللَّه إلَّا أخبرتني: من أنت؟ فأنشأ يقول:

  أنا الشّجاع الذي ألفيته رمضا ... في قفرة بين أحجار وأعقاد⁣(⁣٤)

  / فجدت بالماء لما ضنّ حامله ... وزدت فيه ولم تبخل بإنكاد

  الخير يبقى وإن طال الزمان به ... والشرّ أخبث ما أوعيت من زاد⁣(⁣٥)

  فركب البكر وجنب بكره، وسار فبلغ أهله مع الصبح، فنزل عنه، وحل رحله، وخلَّاه، فغاب عن عينه، وجاء من سلم من القوم بعد ثلاث.

  يومان للمنذر بن ماء السماء

  أخبرني محمد بن عمران المؤدب وعمّي، قالا: حدثنا محمد بن عبيد: قال: حدثني محمد بن يزيد بن زياد الكلبي، عن الشرقي بن القطامي: قال:

  كان المنذر بن ماء السماء قد نادمه رجلان من بني أسد، أحدهما خالد بن المضلَّل، والآخر عمرو بن مسعود ابن كلدة، فأغضباه في بعض المنطق، فأمر بأن يحفر لكل واحد حفيرة بظهر الحيرة، ثم يجعلا في تابوتين، ويدفنا في الحفرتين، ففعل ذلك بهما، حتى إذا أصبح سأل عنهما، فأخبر بهلاكهما، فندم على ذلك، وغمّه، وفي عمرو ابن مسعود وخالد بن المضلل الأسديين يقول شاعر بني أسد:


(١) في ب: «تجنى» بدل «تجلى».

(٢) يتمعك: يتمرغ في التراب، ويتقلب فيه.

(٣) كان القياس إسكان باء «فاركبه» لا ضمها.

(٤) الشجاع: الثعبان، رمضا: حار الجوف من شدة العطش، أعقاد: لعل المراد بها الأرض الكثيرة الشجر، ومنه العقدة بهذا المعنى.

(٥) أوعيت: حملت في وعائك. نقول: وقد نسبوا الشعر إلى آدم أبي البشر، وإلى الملائكة، وإلى الشياطين، وها هم أولاء ينسبونه إلى الثعابين.