كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أوس ونسب اليهود النازلين بيثرب وأخبارهم

صفحة 345 - الجزء 22

  بالكاهنين قررتم في دياركم ... جمّا ثواكم ومن أجلاكم جدبا⁣(⁣١)

  وقال العبّاس بن مرداس السّلمي يردّ على خوّات بن جبير لمّا هجاهم:

  هجوت صريح الكاهنين وفيكم ... لهم نعم كانت مدى الدهر ترتبا⁣(⁣٢)

  عرب آخرون يلحقون بإخوانهم

  فلما أرسل اللَّه سيل العرم على أهل مأرب، وهم الأزد، قام رائدهم فقال: من كان ذا جمل مفنّ ووطب مدنّ وقربة وشنّ، فلينقلب عن بقرات النعم، فهذا اليوم يوم همّ⁣(⁣٣) وليلحق بالثّنى من شنّ - قال وهو بالسراة - فكان الذين نزلوه أزد شنوءة، ثم قال لهم: ومن كان ذا فاقة وفقر، وصبر على أزمات الدهر فليلحق ببطن مرّ، فكان الذين سكنوه خزاعة، ثم قال لهم: من كان منكم يريد الخمر والخمير، والأمر والتأمير، والديباج والحرير، فليلحق ببصري والحفير، وهي من أرض الشام، فكان الذين سكنوه غسّان ثم قال لهم: ومن كان منكم ذا همّ بعيد وجمل شديد، ومزاد جديد، فليلحق بقصر عمان الجديد، فكان الذين نزلوه أزد عمان، ثم قال: ومن كان يريد الرّاسخات في الوحل، المطمعات في المحل، فليلحق بيثرب ذات النخل. فكان الذين نزلوها الأوس والخزرج، فلما توجهوا إلى المدينة ووردوها نزلوا / في صرار⁣(⁣٤) ثم تفرقوا، وكان منهم من لجأ إلى عفاء⁣(⁣٥) من أرض لا ساكن فيه، فنزلوا به، ومنهم من لجأ إلى قرية من قراها، فكانوا مع أهلها، فأقامت الأوس والخزرج في منازلهم التي / نزلوها بالمدينة في جهد وضيق في المعاش، ليسوا بأصحاب إبل ولا شاة؛ لأن المدينة ليست بلاد نعم، وليسوا بأصحاب نخل ولا زرع، وليس للرجل منهم إلا الأعذاق⁣(⁣٦) اليسيرة، والمزرعة يستخرجها من أرض موات، والأموال لليهود، فلبثت الأوس والخزرج بذلك حينا.

  أبو جبيلة يفتك باليهود

  ثم إن مالك بن العجلان وفد إلى أبي جبيلة الغسّاني وهو يومئذ ملك غسان، فسأله عن قومه وعن منزلهم فأخبره بحالهم؛ وضيق معاشهم، فقال له أبو جبيلة: واللَّه ما نزل قوم منا بلدا قط إلا غلبوا أهله عليه، فما بالكم؟

  ثم أمره بالمضي إلى قومه، وقال له: أعلمهم أني سائر إليهم، فرجع مالك بن العجلان، فأخبرهم بأمر أبي جبيلة؛ ثم قال لليهود:

  إن الملك يريد زيارتكم فأعدّوا نزلا فأعدّوه، وأقبل أبو جبيلة سائرا من الشام في جمع كثيف، حتى قدم المدينة، فنزل بذي حرض، ثم أرسل إلى الأوس والخزرج، فذكر لهم الذي قدم له، وأجمع أن يمكر باليهود حتى يقتل رؤوسهم وأشرافهم، وخشي إن لم يمكر بهم أن يتحصّنوا في آطامهم، فيمنعوا منه حتى يطول حصاره إياهم،


(١) جما ثواكم: كثيرة إقامتكم، وفي هد، هج بدل المصراع الثاني:

«إذ فرقوا هام من أجلاكمو حدبا»

(٢) ترتبا: أمرا ثابتا.

(٣) المفن: ذو الفن، فلعله يعني تفنن الجمل في ضروب السير. الوطب: الإناء يسقى فيه اللبن وغيره، ولعلها «ووطب ودن»، يوم هم: يوم همة وعزيمة.

(٤) صرار: موضع على قرب من المدينة.

(٥) عفاء: يباب.

(٦) الأعذاق: جمع عذق - بفتح العين - وهو النخلة بحملها.