أخبار أوس ونسب اليهود النازلين بيثرب وأخبارهم
  ومعاقلا شمّا وأسي ... افا يقمن وينحنينا
  / ومحلَّة زوراء تر ... جف بالرجال المصلتينا(١)
  بقية خبر أبي جبيلة
  فلما أنشدوا أبا جبيلة ما قال الرمق، أرسل إليه، فجيء به، وكان رجلا ضئيلا غير وضئ، فلما رآه قال:
  «عسل طيب ووعاء سوء»، فذهبت مثلا، وقال للأوس والخزرج: إن لم تغلبوا على هذه البلاد بعد من قتلت من أشراف أهلها فلا خير فيكم، ثم رحل إلى الشام.
  وقال الصامت بن أصرم النّوفليّ يذكر قتل أبي جبيلة اليهود:
  سائل قريظة من يقسّم سبيها ... يوم العريض ومن أفاء المغنما؟
  جاءتهم الملحاء يخفق ظلَّها ... وكتيبة خشناء تدعو أسلما(٢)
  عمّي الذي جلب الهمام لقومه ... حتى أحلّ على اليهود الصّيلما(٣)
  / يعني بقوله: «من يقسّم سبيها» نسوة سباهنّ أبو جبيلة من بني قريظة، وكان رآهن فأعجبنه، وأعطى مالك بن العجلان منهن امرأة.
  مالك بن العجلان يقتفي أثر أبي جبيلة
  قال أبو المنهال أحد بني المعلَّى: إنهم أقاموا زمنا بعد ما صنع، ويهود تعترض عليهم، وتناوئهم، فقال مالك ابن العجلان لقومه: واللَّه ما أثخنّا يهود غلبة كما نريد، فهل لكم أن أصنع لكم طعاما، ثم أرسل في مائة من أشراف من بقي من اليهود، فإذا جاؤني فاقتلوهم جميعا، فقالوا: نفعل، فلما جاءهم رسول مالك قالوا: واللَّه لا نأتيهم أبدا، وقد قتل أبو جبيلة منا من قتل، فقال لهم مالك: إن ذلك كان على غير هوى منا، وإنما أردنا أن نمحوه، وتعلموا حالكم عندنا، فأجابوه، فجعل كلما دخل عليه رجل منهم أمر به مالك فقتل، حتى قتل منهم بضعة وثمانين رجلا، ثم إن رجلا منهم أقبل حتى قام على باب مالك، فتسمّع فلم يسمع صوتا فقال: أرى أسرع ورد وأبعد صدر(٤)، فرجع وحذّر أصحابه الذين بقوا، فلم يأت منهم أحد، فقال رجل من اليهود لمالك بن العجلان:
  فسفّهت قيلة أحلامها ... ففيمن بقيت وفيمن تسود؟(٥)
  فقال مالك:
  فإنّي امرؤ من بني سالم ... بن عوف وأنت امرو من يهود
  قال: وصوّرت اليهود مالكا في بيعهم وكنائسهم، فكانوا يلعنونه كلما دخلوها، فقال مالك بن العجلان في ذلك قوله:
(١) زوراء: بعيدة، يريد بعيدة المنال، المصلتين: المجردين سيوفهم.
(٢) الملحاء: الكتيبة العظيمة، الخشناء: كثيرة السلاح.
(٣) الصيلم: الداهية الشديدة، أو اسم من أسماء السيف، وفي ب: «عي» بدل «عمي» وهو تحريف.
(٤) يريد إن دخل لا يرجع.
(٥) قيلة: أم الأوس والخزرج، أحلامها: بدل من قيلة. وفي ب بدل المصراع الأول
«تسقيت قبلة أخلافها»
وهو تحريف.