كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر الخبر في هذه الغارات والحروب

صفحة 403 - الجزء 22

  البحرين، فحبسهم، ولحقه عمرو بن هند، حتى انتهى إلى أوارة، فضربت فيه قبّته، فأمر لهم بأخدود فحفر لهم، ثم أضرمه نارا، فلما احتدمت وتلظَّت، قذف بهم فيها، فاحترقوا.

  إن الشقي وافد البراجم

  وأقبل راكب من البراجم - وهم بطن من بني حنظلة - عند المساء، ولا يدري بشيء مما كان يوضع له⁣(⁣١) بعيره فأناخ، فقال له عمرو بن هند: ما جاء بك؟ قال: حبّ الطعام، قد أقويت⁣(⁣٢) ثلاثا لم أذق طعاما، فلما سطع الدخان ظننته دخان طعام، فقال له عمرو بن هند: ممن أنت؟ قال: من البراجم، قال عمرو: إن الشقيّ وافد البراجم⁣(⁣٣) فذهب مثلا، ورمى به في النار، فهجت العرب تميما بذلك، فقال ابن الصّعق العامري:

  ألا أبلغ لديك بني تميم ... بآية ما يحبّون الطعاما

  مثل من شجاعة المرأة

  وأقام عمرو بن هند لا يرى أحدا، فقيل له: أبيت اللعن! لو تحلَّلت بامرأة منهم، / فقد أحرقت تسعة وتسعين رجلا. فدعا بامرأة من بني حنظلة، فقال لها: من أنت؟ قالت: أنا الحمراء بنت ضمّرة بن جابر بن قطن بن نهشل بن دارم، فقال: إني لأظنّك أعجمية، فقالت: ما أنا / بأعجمية ولا ولدتني العجم.

  إنّي لبنت ضمرة بن جابر ... ساد معدّا كابرا عن كابر⁣(⁣٤)

  إني لأخت ضمرة بن ضمرة ... إذا البلاد لفّعت بجمره

  قال عمرو: أما واللَّه لولا مخافة أن تلدي مثلك لصرفتك عن النار، قالت: أما والذي أسأله أن يضع وسادك، ويخفض عمادك، ويسلبك ملكك⁣(⁣٥)، ما قتلت إلا نساء أعاليها ثديّ وأسفلها دميّ⁣(⁣٦) قال: اقذفوها في النار، فالتفتت، فقالت: ألا فتى يكون مكان عجوز! فلما أبطؤوا عليها قالت: صار الفتيان حمما⁣(⁣٧)، فذهبت مثلا فأحرقت، وكان زوجها يقال له هوذة⁣(⁣٨) بن جرول بن نهشل بن دارم.

  لقيط يعير بني مالك

  فقال لقيط بن زرارة يعير بني مالك بن حنظلة بأخذ من أخذ منهم الملك وقتله إياهم ونزولهم معه:

  لمن دمنة أقفرت بالجناب ... إلى السفح بين الملا فالهضاب⁣(⁣٩)

  بكيت لعرفان آياتها ... وهاج لك الشوق نعب الغراب


(١) الإيضاع: حمل الدواب على العدو السريع.

(٢) أقويت: نفد زادي.

(٣) مثل يضرب لمن يوقع نفسه في هلكة.

(٤) في س، ب: «كابر».

(٥) في بعض النسخ ويقرب هلكك.

(٦) ج: دم، كناية عن الضعف وفي هد: «حلى».

(٧) في ب، س: «كان الفتيان».

(٨) في س وب: «حوذة» وهو تحريف.

(٩) الجناب والسفح والملا والهضاب: مواضع.