كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر الخبر في هذه الغارات والحروب

صفحة 405 - الجزء 22

  ماء السماء، أو نكحت بنت ذي الجدّين بن قيس بن خالد. قال لقيط: للَّه عليّ ألا يمس رأسي غسل، ولا آكل لحما، ولا أشرب / خمرا، حتى أجمعهما جميعا أو أموت. فخرج لقيط ومعه ابن خال له، يقال له: القراد بن إهاب، وكلاهما كان شاعرا شريفا، فسارا حتى أتيا بني شبيان، فسلَّما على ناديهم ثم قال لقيط: أفيكم قيس بن خالد ذو الجدّين؟ وكان سيد ربيعة يومئذ، قالوا: نعم، قال: فأيّكم هو؟ قال قيس: أنا قيس، فما حاجتك؟ قال:

  جئتك خاطبا ابنتك - وكانت على قيس يمين ألا يخطب إليه أحد ابنته علانية إلا أصابه بشرّ وسمّع به - فقال له قيس:

  ومن أنت؟ قال: أنا لقيط بن زرارة بن عدس بن زيد، قال قيس: عجبا منك يا ذا القصّة! هلا كان هذا بيني وبينك؟

  قال: ولم يا عمّ؟ فو اللَّه إنك لرغبة⁣(⁣١) وما بي من نضاة⁣(⁣٢) - أي ما بي عار - ولئن ناجيتك لا أخدعك - ولئن عالنتك لا أفضحك، فأعجب قيسا كلامه، وقال: كفء كريم؛ إني زوّجتك ومهرتك مائة ناقة ليس فيها مظائر⁣(⁣٣) ولا ناب⁣(⁣٤) ولا كزوم⁣(⁣٥)، ولا تبيت عندنا عزبا ولا محروما. ثم أرسل إلى أم الجارية: / أني قد زوجت لقيط بن زرارة ابنتي القدور، فاصنعيها واضربي لها ذلك البلق⁣(⁣٦)، فإن لقيط ابن زرارة لا يبيت فينا عزبا. وجلس لقيط يتحدث معهم، فذكروا الغزو، فقال لقيط: أما الغزو فأردّها للقاح وأهزلها للجمال، وأما المقام فأسمنها للجمال، وأحبّها للنساء.

  فأعجب ذلك قيسا، وأمر لقيطا، فذهب إلى البلق فجلس فيه، وبعثت إليه أمّ الجارية بمجمرة وبخور، وقالت للجارية: اذهبي بها إليه، فو اللَّه لئن ردّها ما فيه خير، ولئن وضعها تحته ما فيه خير، فلما جاءته الجارية بالمجمرة بخّر شعره ولحيته ثم ردّها عليها، فلما رجعت الجارية إليها، خبّرتها بما صنع، فقالت: إنه لخليق للخير، فلما أمسى لقيط أهديت الجارية إليه. فمازحها بكلام اشمأزّت منه، فنام وطرح عليه طرف خميصة⁣(⁣٧)، وباتت إلى جنبه، فلما استثقل انسلَّت فرجعت إلى أمها، فانتبه لقيط، فلم يرها، فخرج حتى أتى ابن خاله قرادا وهو في أسفل الوادي، فقال: ارحل بعيرك وإياك أن يسمع رغاؤها⁣(⁣٨).

  لقيط يحظى بجوائز المنذر وكسرى

  فتوجها إلى المنذر بن ماء السماء، وأصبح قيس ففقد لقيطا فسكت، ولم يدر ما الذي ذهب به. ومضى لقيط، حتى أتى المنذر فأخبره ما كان من قول أبيه وقوله، فأعطاه مائة من هجائنه، فبعث بها مع قراد إلى أبيه زرارة، ثم مضى إلى كسرى فكساه وأعطاه جواهر، ثم أنصرف لقيط من عند كسرى، فأتى أباه، فأخبره خبره.

  لقيط يعود إلى زوجته ثم تئيم منه

  وأقام يسيرا، ثم خرج هو وقراد حتى جاءا محلة بني شيبان فوجداهم قد انتجعوا فخرجا في طلبهم حتى وقعا في الرمل، فقال لقيط:


(١) رغبه: يرغب فيك الناس.

(٢) ف: «قصاه».

(٣) كذا في ف ومعناها ليست مشرومة الأنف حين تغمى للظئار، وفي س، ب «مصابرة».

(٤) الناب: الناقة المسنة.

(٥) الكزوم: الناقة ذهبت أسنانها هرما.

(٦) البلق الفسطاط.

(٧) الخميصة: كساء أسود مربع له علمان.

(٨) البعير يطلق على الناقة أيضا، والملك أنث الضمير.