كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر الخبر في هذه الغارات والحروب

صفحة 406 - الجزء 22

  انظر قراد وهاتا نظرة جزعا ... عرض الشقائق هل بيّنت أظعانا

  / فيهن أترجّة⁣(⁣١) نضخ⁣(⁣٢) العبير بها ... تكسى ترائبها شذرا⁣(⁣٣) ومرجانا

  فخرجا حتى أتيا قيس بن خالد. فجهزها أبوها، فلما أرادت الرحيل قال لها: يا بنّية كوني لزوجك أمة يكن لك عبدا، وليكن أكثر طيبك الماء، فإنك إنما يذهب بك إلى الأعداء، وأراك إن ولدت فستلدين لنا غيظا طويلا، واعلمي أن زوجك فارس مضر، وأنه يوشك ان يقتل أو يموت، فلا تخمشي عليه وجها ولا تحلقي شعرا، قالت له: أما واللَّه لقد ربيتني صغيرة، وأقصيتني كبيرة، وزودتني عند الفراق شرّ زاد. وارتحل بها لقيط، فجعلت لا تمر / بحيّ من العرب إلا قالت: يا لقيط، أهؤلاء قومك؟ فيقول: لا، حتى طلعت على محلة بني عبد اللَّه بن دارم، فرأت القباب، والخيل العراب⁣(⁣٤)، قالت: يا لقيط أهؤلاء قومك؟ قال: نعم، فأقام أياما يطعم وينحر، ثم بنى بها، فأقامت عنده حتى قتل يوم جبلة⁣(⁣٥)، فبعث إليها أبوها أخا لها فحملت، فلما ركبت بعيرها أقبلت حتى وقفت على نادي بني عبد اللَّه بن دارم، فقالت: يا بني دارم، أوصيكم بالغرائب خيرا، فو اللَّه ما رأيت مثل لقيط، لم تخمش عليه امرأة وجها ولم تحلق عليه شعرا، فلو لا أني غريبة لخمشت وحلقت، فحبب اللَّه بين نسائكم، وعادى بين رعائكم، فأثنوا عليها خيرا.

  زوجة لقيط في عصمة غيره

  ثم مضت حتى قدمت على أبيها، فزوجها من قومه، فجعل زوجها يسمعها تذكر لقيطا وتحزن عليه، فقال لها: أيّ شيء رأيت من لقيط أحسن في عينك؟ قالت: خرج يوم دجن وقد تطيّب وشرب، فطرد البقر فصرع منها، ثم أتاني وبه نضح دماء، فضمني ضمة، وشمني شمة، فليتني متّ ثمّة، فلم أر منظرا كان أحسن من لقيط. فمكث عنها / حتى إذا كان يوم دجن شرب، وتطيّب، ثم ركب، فطرد البقر، ثم أتاها وبه نضح دم والطيب وريح الشراب، فضمها إليه وقبّلها، ثم قال لها: كيف ترين؟ أأنا أم لقيط فقالت: ماء ولا كصدّاء، ومرعى ولا كالسّعدان⁣(⁣٦) فذهبت مثلا، وصدّاء: ركية ليس في الأرض ركية أطيب منها، وقد ذكرها التميمي في شعره:

  إنّي وتهيامي بزينب كالذي ... يخالس من أحواض صدّاء مشربا

  يرى دون برد⁣(⁣٧) الماء هولا وذادة ... إذا اشتد⁣(⁣٨) صاحو أقبل أن يتحببا

  يقول: قبل أن يروى يقال: تحبّبت من الشراب أي رويت، وبضعت منه أيضا أي رويت منه، والتحبّب:

  الرّيّ.


(١) الأترجة ثمر شجر بستاني من فصيلة الليمون.

(٢) نضح، أي أثر طيب يبقى في الثوب وغيره.

(٣) شدرا: قطعا من الذهب.

(٤) العراب: خلاف البراذين واحدها عربي.

(٥) يوم بين بني عبس وذبيان ابني بغيض.

(٦) السعدان: أطيب المراعي للإبل.

(٧) في ب: «ورد».

(٨) في ف: «شد».