أخبار محبوبة
  حضرته إلى الموضع الذي كانت تجلس فيه إذا شرب، ثم خرجت جارية لها ومعها رقعة، فدفعتها إلى المتوكل فقرأها، وضحك ضحكا شديدا، ثم رمى بها إلينا، فقرأناها وإذا فيها:
  يا طيب تفاحة خلوت بها ... تشعل نار الهوى على كبدي
  أبكي أليها وأشتكي دنفي ... وما ألاقي من شدّة الكمد
  لو أن تفاحة بكت لبكت ... من رحمتي هذه التي بيدي
  إن كنت لا ترحمين ما لقيت ... نفسي من الجهد فارحمي جسدي
  قال: فو اللَّه ما بقي أحد إلا استظرفها، واستملحها، وأمر المتوكل فغنىّ في هذا الشعر صوت شرب عليه بقية يومه.
  وفاؤها للمتوكل بعد موته
  حدثني جعفر بن قدامة قال حدثني علي بن يحيى المنجم.
  أن جواري المتوكل تفرّقن بعد قتله، فصار إلى وصيف عدّة منهن، وأخذ محبوبة فيمن أخذ، فاصطبح يوما وأمر بإحضار جواري المتوكل، فأحضرن، عليهنّ الثياب الملونة، / والمذهبة والحلىّ، وقد تزّيّن وتعطرّن إلا محبوبة فإنها جاءت مرهاء(١) متسلَّبة(٢)، عليها ثياب بياض غير فاخرة، حزنا على المتوكل. فغنى الجواري جميعا، وشربن وطرب وصيف وشرب، ثم قال لها: يا محبوبة غنّي فأخذت العود، وغنّت وهي تبكي، وتقول:
  أيّ عيش يطيب لي ... لا أرى فيه جعفرا
  ملكا قد رأته عي ... ني قتيلا معفّرا(٣)
  كلّ من كان ذا هيا ... م وحزن فقد برا(٤)
  غير محبوبة التي ... لو ترى الموت يشترى
  لاشترته بملكها ... كلّ هذا لتقبرا
  إن موت الكئيب أص ... لح من أن يعمّرا
  / فاشتدّ ذلك على وصيف، وهمّ بقتلها. وكان بغا حاضرا، فاستوهبها منه، فوهبها له، فأعتقها، وأمر بإخراجها، وأن تكون بحيث تختار من البلاد، فخرجت من سرّ من رأى إلى بغداد، وأخملت ذكرها طول عمرها.
  خصام وصلح في المنام؛ ثم في اليقظة
  أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدثني ملاوّي الهيثمي قال: قال لي عليّ بن الجهم:
  كانت محبوبة أهديت إلى المتوكل أهداها إليه عبد اللَّه بن طاهر في جملة أربعمائة جارية، وكانت بارعة
(١) مرهاء: غير مكتحلة.
(٢) متسلية: لابسة ثياب الحداد.
(٣) معفرا: ممرغا في التراب أو مضروبا به الأرض.
(٤) تخفيف برأ من مرضه، بمعنى شفي منه.