أخبار محبوبة
  الحسن والظَّرف والأدب مغنّية محسنة، فحظيت عند المتوكل، حتى إنه كان يجلسها خلف ستارة وراء ظهره إذا جلس للشرب، فيدخل رأسه إليها، ويحدّثها، ويراها في كل ساعة. فغاضبها يوما، وهجرها ومنع جواريه جميعا من / كلامها ثم نازعته نفسه إليها، وأراد ذلك، ثم منعته العزة، وامتنعت من ابتدائه إدلالا عليه بمحلَّها منه. قال عليّ بن الجهم: فبكَّرت إليه يوما فقال لي: إني رأيت البارحة محبوبة في نومي كأني قد صالحتها، فقلت: أقرّ اللَّه عينك يا أمير المؤمنين، وأنامك على خير، وأيقظك على سرور، وأرجو أن يكون هذا الصلح في اليقظة، فبينا هو يحدّثني وأجيبه(١) إذا بوصيفة قد جاءته، فأسرّت إليه شيئا، فقال لي: أتدري ما أسرّت هذه إليّ؟ قلت: لا، قال:
  حدثتني أنها اجتازت بمحبوبة الساعة وهي في حجرتها تغنّي، أفلا تعجب من هذا؟ إني مغاضبها، وهي متهاونة بذلك، لا تبدؤني بصلح، ثم لا ترضى حتى تغني في حجرتها، قم بنا يا عليّ حتى نسمع ما تغنّي. ثم قام، وتبعته، حتى انتهى إلى حجرتها فإذا هي تغني وتقول:
  أدور في القصر لا أرى أحدا ... أشكو إليه ولا يكلَّمني
  حتى كأني ركبت معصية ... ليست لها توبة تخلَّصني
  فهل لنا شافع إلى ملك ... قد زارني في الكرى فصالحني
  حتى إذا ما الصباح لاح لنا ... عاد إلى هجره فصارمني
  فطرب المتوكَّل، وأحست بمكانه. فأمرت خدمها، فخرجوه إليه، وتنحّينا وخرجت إليه، فحدّثته أنها رأته في منامها، وقد صالحها، فانتبهت، وقالت هذه الأبيات، وغنّت فيها. فحدّثها هو أيضا برؤياه، واصطلحا، وبعث إلى كلّ واحد منا بجائزة وخلعة.
  ولما قتل تسلَّى عنه جميع جواريه غيرها، فإنها لم تزل حزينة مستلَّبة هاجرة لكل لذة حتى ماتت. ولها فيه مراث كثيرة.
  صوت
  يا ذا الَّذي بعذابي ظلّ مفتخرا ... هل أنت إلا مليك جار إذ(٢) قدرا
  لولا الهوى لتجازينا(٣) على قدر ... وإن أفق منه يوما ما فسوف ترى
  الشعر يقال إنه للواثق، قاله في خادم له غضب عليه، ويقال: إن أبا حفص الشّطرنجي قاله له.
  والغناء لعبيدة الطنبورية رمل مطلق، وفيه لحن للواثق آخر، قد ذكر في غنائه.
(١) في س، ب: «فاحدثه».
(٢) س، ب: «أن».
(٣) وفي س، ب: «لتجارينا».