أخبار المؤمل ونسبه
  فقبض عليّ، وأسلمني إلى الربيع، فأدخلني إلى أبي جعفر، وقال: هذا الشاعر الذي أخذ من المهدي عشرين ألفا، قد ظفرنا به، فقال: أدخلوه إليّ، فأدخلت إليه، فسلمت تسليم فزع(١)، مروّع، فردّ السلام، وقال: ليس لك ها هنا إلَّا خير، أنت المؤمل بن أميل؟ قلت: نعم، أصلح اللَّه أمير المؤمنين أنا المؤمل بن أميل، قال: أتيت غلاما غرّا، فخدعته فانخدع؟ قلت: نعم، أصلح اللَّه الأمير، أتيت غلاما غرّا كريما، فخدعته فانخدع قال: فكأن ذلك أعجبه، فقال: أنشدني ما قلت فيه فأنشدته:
  هو المهديّ إلا أن فيه ... مشابهة(٢) من القمر المنير
  تشابه ذا وذا فهما إذا ما ... أنارا مشكلان على البصير
  فهذا في الظلام سراج ليل ... وهذا في النهار ضياء نور
  / ولكن فضّل الرحمن هذا ... على ذا بالمنابر والسّرير
  / وبالملك العزيز فذا أمير ... وماذا بالأمير ولا الوزير
  وبعض الشهر ينقص ذا وهذا ... منير عند نقصان الشهور(٣)
  فيابن خليفة اللَّه المصفّى ... به تعلو مفاخرة الفخور
  لئن فتّ الملوك وقد توافوا ... إليك من السهولة والوعور
  لقد سبق الملوك أبوك حتّى ... بقوا من بين كأب(٤) أو حسير
  وجئت مصليا(٥) تجري حثيثا ... وما بك حين تجري من فتور
  فقال الناس ما هذان إلا ... كما بين الخليق إلى الجدير
  لئن سبق الكبير لأهل سبق(٦) ... له فضل الكبير على الصّغير
  وإن بلغ الصغير مدى كبير ... فقد خلق الصغير من الكبير
  فقال: واللَّه لقد أحسنت، ولكن هذا لا يساوي عشرين ألف درهم، فأين المال؟ قلت: هو هذا، قال: يا ربيع، امض معه، فأعطه أربعة آلاف درهم، وخذ الباقي. قال المؤمّل: فخرج معي الربيع، وحطَّ ثقلي، ووزن لي من المال أربعة آلاف درهم، وأخذ الباقي.
  فلما ولي المهديّ الخلافة ولَّى ابن ثوبان المظالم، فكان يجلس للناس بالرّصافة، فإذا ملأ كساءه رقاعا رفعها إلى المهديّ، فرفعت إليه رقعة، فلما دخل بها ابن ثوبان جعل المهديّ ينظر في الرقاع، حتى إذا وصل إلى رقعتي
(١) هج: «مذعور».
(٢) كذا في ف وفي س، ب: «مشابه صورة القمر المنير».
(٣) كذا في ف وفي س، ب
ونقص الشهر ينقص ذا وهذا ... أمير عند نقصان الشهور
(٤) كأب: عائر من كبا يكبو.
(٥) مصليا: تاليا للسابق، وسمي بذلك لأنه يضع أنفه عند صلوى سابقه.
(٦) كذا في ف وفي س، ب: «لقد».