أخبار المؤمل ونسبه
  ويضحكه أن يدوم(١) السؤال ... ويتلف في ضحكه كلّ مال
  فاستحسنها المهديّ، وأمر لي بعشرة آلاف درهم، وشاع الشعر وكان في عسكره رجل يعرف بأبي الهوسات(٢)، يغنّي، فغنّى في الشعر لرفقائه، وبلغ ذلك المهديّ فبعث إليه سرّا، فدخل عليه، فغناه، فأمر له بخمسة آلاف درهم، وأمر لي بعشرة آلاف درهم أخرى، وكتب بذلك صاحب البريد إلى المنصور.
  ثم ذكر باقي الخبر على ما تقدم قبله، وزاد فيه:
  أن المنصور قال له: جئت إلى غلام حدث، فخدعته، حتى أعطاك من مال اللَّه عشرين ألف درهم لشعر قلته فيه، غير جيّد وأعطاك من رقيق المسلمين مالا يملكه، وأعطاك من الكراع والأثاث ما أسرف فيه، يا ربيع خذ منه ثمانية عشر ألف درهم، وأعطه ألفين، ولا تعرض لشيء من الأثاث والدواب والرقيق، ففي ذلك غناؤه. فأخذت واللَّه مني بخواتمها، ووضعت في الخزائن، فلما ولي المهديّ دخلت إليه في المتظلمين. فلمّا رآني ضحك وقال:
  مظلمة أعرفها، ولا أحتاج إلى بيّنة عليها، وجعل يضحك، وأمر بالمال فردّ إليّ بعينه، وزاد فيه عشرة آلاف.
  لا لحم فيه ولا دم
  أخبرني الحسن بن علي الخفّاف قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدثني حذيفة بن محمد الطائيّ قال: حدثني أبي قال:
  رأيت المؤمّل شيخا مصفرّا نحيفا أعمى، فقلت له: لقد صدقت في قولك:
  وقد زعموا لي أنها نذرت دمي ... ومالي بحمد اللَّه لحم ولا دم
  فقال: نعم - فديتك - وما كنت أقول إلا حقا.
  قال محمد بن القاسم: وحدّثني عبد اللَّه بن طاهر أن أول هذا الشعر:
  حلمت بكم في نومتي فغضبتم ... ولا ذنب لي إن كنت في النوم أحلم
  سأطرد عني النوم كيلا أراكم ... إذا ما أتاني النّوم والناس نوّم
  تصارمني واللَّه يعلم أنّني ... أبرّ بها من والديها وأرحم
  صوت
  وقد زعلموا لي أنها نذرت دمي ... ومالي بحمد اللَّه لحم ولا دم
  برى حبّها لحمي ولم يبق لي دما ... وإن زعموا أني صحيح مسلَّم
  فلم أر مثل الحب صحّ سقيمه ... ولا مثل من لا(٣) يعرف الحبّ يسقم
  ستقتل جلدا باليا فوق أعظم ... وليس يبالي القتل جلد وأعظم
(١) في س، ب «يديم».
(٢) ف: «المهوسات».
(٣) في س، ب: «لم».