أخبار حنين الحيري ونسبه
  ونسبه فغيّرهما وانتمى إلى بني مخزوم، فأخذ جدّي المال منه وقال: موفّر مالك عليك ولك عندنا كلّ ما يحتاج إليه مثلك ما نشطت للمقام عندنا، فإذا دعتك نفسك إلى بلدك جهّزناك إليه ورددنا عليك مالك وأخلفنا ما أنفقته عليك [إلى](١) أن جئتنا، وأسكنه دارا كان ينفرد فيها، فمكث عندنا شهرين لا يعلم جدّي ولا أحد من أهلنا أنه يغنّي، حتى انصرف جدّي من دار بشر بن مروان في يوم صائف مع قيام الظَّهيرة، فصار إلى باب الدار التي كان أنزل ابن سريج فيها فوجده مغلقا فارتاب بذلك، ودقّ الباب فلم يفتح له ولم يجبه أحد، فصار إلى منازل الحرم فلم يجد فيها ابنته ولا جواريه(٢)، ورأى ما بين الدار التي فيها الحرم ودار ابن سريج مفتوحا، فانتضى سيفه ودخل الدار ليقتل ابنته؛ فلمّا دخلها رأى ابنته وجواريه(٢) وقوفا على باب السّرداب، وهنّ يومئن إليه بالسكوت وتخفيف الوطء، فلم يلتفت إلى إشارتهنّ لما تداخله، إلى أن سمع ترنّم ابن سريج بهذا الصوت، فألقى السيف من يده وصاح به - وقد عرفه من غير أن يكون رآه، ولكن بالنعت والحذق -: أبا يحيى، جعلت فداءك، أتيتنا بثلاثمائة دينار سوى ما جئت به معك، ثم دخل إليه فعانقه ورحّب به ولقيه بخلاف ما كان يلقاه به، وسأله عن هذا الصوت، فأخبره أنه صاغه في ذلك الوقت. فصار معه إلى بشر بن مروان فوصله بعشرة آلاف درهم أوّل مرّة، ثم وصله بعد ذلك بمثلها؛ فلمّا أراد الخروج ردّ عليه جدّي ماله وجهّزه ووصله بمقدار نفقته التي أنفقها / من مكة إلى الحيرة، ورجع ابن سريج إلى أهله وقد أخذ جميع من كان في دارنا منه هذا الصوت.
  استقدمه ابن سريج والغريض ومعبد إلى الحجاز فقدم وغنى فازدحم الناس فسقط عليه السطح فمات
  أخبرني عمّي قال حدّثني عبد اللَّه بن / أبي سعد قال حدّثني حسّان بن محمد الحارثيّ قال حدّثنا عبد اللَّه قال حدّثنا عبيد بن حنين(٣) الحيريّ قال:
  كان المغنّون في عصر جدّي أربعة نفر ثلاثة بالحجاز وهو وحده بالعراق، والذين بالحجاز: ابن سريج والغريض ومعبد، فكان يبلغهم أنّ جدّي حنينا قد غنّى في هذا الشعر:
  هلَّا بكيت على الشباب الذاهب ... وكففت عن ذمّ المشيب الآئب
  هذا وربّ مسوّفين(٤) سقيتهم ... من خمر بابل لذة للشارب
  بكروا عليّ بسحرة فصبحتهم ... من ذات كوب(٥) مثل قعب الحالب
  بزجاجة ملء اليدين كأنّها ... قنديل فصح(٦) في كنيسة راهب
  قال: فاجتمعوا فتذاكروا أمر جدّي وقالوا: ما في الدنيا أهل صناعة شرّ منّا، لنا أخ بالعراق ونحن بالحجاز، لا نزوره ولا نستزيره. فكتبوا إليه ووجّهوا إليه نفقة وكتبوا يقولون: نحن ثلاثة وأنت وحدك فأنت أولى بزيارتنا،
(١) زيادة في ط.
(٢) كذا في ح. وفي سائر النسخ: «جواريها».
(٣) كذا في جميع الأصول، ولعل الراوي نسب عبيدا إلى جدّه حنين لشهرته.
(٤) قال في «اللسان»: السوف: الصبر، والمسوّف: الصبور، وأنشد للمفضل هذا البيت شاهدا بذلك.
(٥) كذا فيء وهامش ط. وفي باقي النسخ: «من ذات كرنيب كقعب». والكرنيب: لبن حليب ينقع فيه تمر برنيّ. ولم يظهر لهذه النسخة معنى يلتئم به السياق.
(٦) كذا في ط، والفصح من أعياد النصارى (انظر الحاشية رقم ١ ص ١٢٩ من هذا الجزء). وفي باقي الأصول: «صبح».