أخبار النمر بن تولب ونسبه
  تبسم ضاحكا لما رآني ... وأصحابي لديّ عن التمام(١)
  فقال له الرجل: إن لي نفسا تأمرني أن أعطيكم، ونفسا تأمرني ألا أفعل، فقال النمر:
  /
  أما خليلي فإني غير معجله ... حتى يؤامر نفسيه كما زعما
  نفس له من نفوس الناس صالحة ... تعطى الجزيل ونفس ترضع الغنما
  ثم قال النّمر لأصحابه: لا تسألوا أحدا، فالدية كلَّها عليّ.
  قصة سيف كالذي وصف النمر
  أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، قال: حدثنا عليّ بن محمد النوفليّ قال: حدثنا أبي قال: حدثنا الحسن بن محمد بن عبد اللَّه بن حسن بن عليّ قال:
  جاء أعرابي إلى أبي، وهو مستتر بسويقة(٢) قبل مخرجه، ومعه سيف قد علاه الصّدأ، فقال: يا بن رسول اللَّه، إني كنت ببطن قديد(٣)، أرعى إبلي وفيها فحل قطم(٤)، قد كنت ضربته، فحقد عليّ وأنا لا أدري، فخلا بي فشدّ عليّ يريدني، وأنا أحضر، ودنا مني حتى أن لعابه ليسقط على رأسي لقربه مني. فأنا أشتدّ، وأنا أنظر إلى الأرض لعلي أرى شيئا أذبّه عنّي به، إذ وقعت عيني على هذا السيف قد فحص عنه السيل، فظننته عودا باليا، فضربت بيدي إليه، فأخذته فإذا سيف، فذببت به البعير عني ذبّا، واللَّه ما أردت به الذي بلغت منه، فأصبت خيشومه فرميت بفقمه(٥)، فعلمت أنه سيف جيد، وظننته من سيوف القوم الذين كانوا قتلوا في وقعة قديد(٦)، وها هوذا قد أهديته لك يا بن رسول اللَّه قال: فأخذه منه أبي، وسرّ به. وجلس الأعرابيّ يحادثه، فبينا هو كذلك / إذ أقبلت غنم لأبي ثلاثمائة شاة فيها رعاؤها، فقال له: أبى: يا أعرابيّ هذه الغنم والرّعاة لك مكافأة لك عن هذا السيف، قال: ثم أرسل به إلى المدينة، أو أرسل إلى قين(٧) فأتي به من المدينة، فأمر به فحلَّي، فخرج أكرم سيوف الناس، فأمر فاتّخذ له جفن، ودفعه إلى أختي فاطمة بنت محمد. فلمّا كان اليوم الذي قتل فيه، قاتل بغير ذلك السيف، قال:
  وبقي ذلك السيف عند أختي محمد بنت محمد. فزرتها يوما وهي بينبع في جماعة من أهل بيتي، وكانت عند ابن عمها الحسن بن إبراهيم بن عبد اللَّه بن الحسن عليهم أجمعين السلام، فخرجت إلينا، وكانت برزة(٨) تجلس لأهلها كما يجلس الرجال، وتحدّثهم، فجلست تحدثنا، وأمرت مولىّ لها، فنحر لنا جزورا(٩) ليهيئ لنا طعاما.
  فنظرت إليها، والجزور في النخل باركة، وقد بردت وهي تسلخ، فقالت: إني لا أرى في هذه الجزور، / مضربا حسنا. ثم دعت بالسيف، وقالت: يا حسن - فدتك أختك - هذا سيف أبيك، فخذه واجمع يديك في قائمه،
(١) تكملة من هد. هج.
(٢) سويقة: موضع قرب المدينة يسكنه آل علي بن أبي طالب.
(٣) قديد: موضع قرب مكة.
(٤) القطم: الصئول.
(٥) الفقم: اللحى وطرف الخطم.
(٦) وقعة لأبي حمزة الخارجي على أهل المدينة.
(٧) القين: الحداد والصيقل.
(٨) برزة: متجاهرة جليلة تجلس للقوم يتحدثون إليها وهي عفيفة.
(٩) جزور: بعير أو ناقة تجزر، والجمع جزر والجزائر.