كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار مالك بن الريب ونسبه

صفحة 473 - الجزء 22

  الذي كانوا يسرقون فيه - ثم انتبه، فالتفت، فلم ير جمله، فنزل وعقل راحلته، ومضى في طلب الجمل، ودرت فحللت عقال ناقته، وسقتها.

  فقالوا لأبي حردبة: ويحك! فحتّام تكون هكذا! قال: اسكتوا، فكأنكم بي وقد تبت، واشتريت فرسا، وخرجت مجاهدا، فبينا أنا واقف إذ جاءني سهم كأنه قطعة رشاء، فوقع في نحري، فمتّ شهيدا. قال: فكان كذلك: تاب، وقدم البصرة، فاشترى فرسا، وغزا الروم، فأصابه سهم في نحره فاستشهد.

  ثم قالوا لشظاظ: أخبرنا أنت بأعجب ما أخذت في لصوصيتك، ورأيت فيها، فقال: نعم كان فلان (رجل من أهل البصرة) له ينت عم ذات مال كثير، وهو وليّها، وكانت له نسوة، فأبت أن تتزوّجه، فحلف ألا يزوّجها من أحد ضرارا لها، وكان / يخطبها رجل غني من أهل البصرة، فحرصت⁣(⁣١) عليه، وأبى الآخر أن يزوّجها منه، ثم إنّ وليّ الأمر حجّ، حتى إذا كان بالدوّ⁣(⁣٢) - على مرحلة من البصرة حذاءها، قريب منه جبل يقال له سنام، وهو منزل الرفاق إذا صدرت أو وردت - مات الوليّ، فدفن برابية، وشيّد على قبره، فتزوجت الرجل الذي كان يخطبها. قال شظاظ:

  وخرجت رفقة من البصرة معهم بزّ ومتاع، فتبصرتهم وما معهم وأتبعتهم حتى نزلوا، فلما ناموا بيّتهم، وأخذت من متاعهم. ثم إن القوم أخذوني، وضربوني ضربا شديدا، وجرّدوني - قال: وذلك في ليلة قرّة - وسلبوني كلّ قليل وكثير، فتركوني عريانا، وتماوتّ لهم، وارتحل القوم، فقلت: كيف أصنع؟ ثم ذكرت قبر الرجل، فأتيته، فنزعت لوحه، ثم احتفرت فيه سربا، فدخلت فيه، ثم سددت عليّ باللوح، وقلت: لعلي الآن أدفأ⁣(⁣٣) فأتبعهم.

  قال: ومرّ الرجل الذي تزوج بالمرأة في الرّفقة، فمرّ بالقبر الذي أنا فيه، فوقف عليه، وقال لرفيقه: واللَّه لأنزلنّ إلى قبر فلان، حتى أنظر هل يحمى الآن بضع فلانة؟ قال شظاظ: فعرفت صوته فقعلت اللوح، ثم خرجت عليه بالسيف من القبر، وقلت: بلى ورب الكعبة لأحمينّها، فوقع واللَّه على وجهه مغشيّا عليه، لا يتحرّك ولا يعقل⁣(⁣٤). فسقط من يده خطام الراحلة، فأخذت وعهد اللَّه بخطامها⁣(⁣٤) فجلست عليها، وعليها كلّ أداة وثياب ونقد كان معه، ثم وجّهتها قصد مطلع الشمس هاربا من الناس، فنجوت بها، فكنت بعد ذلك أسمعه يحدّث الناس بالبصرة، ويحلف لهم أن الميّت الذي كان منعه من تزويج المرأة خرج عليه من قبره بسلبه وكفنه. فبقي يومه، ثم هرب منه، والناس يعجبون منه فعاقلهم يكذّبه، والأحمق منهم يصدقه، وأنا أعرف القصة، فأضحك منهم كالمتعجب.

  مغامرة أخرى لشظاظ

  قالوا: فزدنا، قال: / فأنا أزيدكم أعجب من هذا وأحمق من هذا؛ إني لأمشي في الطريق أبتغي شيئا أسرقه، قال: فلا واللَّه ما وجدت شيئا، قال: وكان هناك شجرة ينام من تحتها الركبان بمكان ليس فيه ظلّ غيرها، وإذا أنا برجل يسير على حمار له، فقلت له: أتسمع؟ قال: نعم، قلت: إن المقيل الذي تريد أن تقيله يخسف بالدوابّ فيه، فاحذره، فلم يلتفت إلى قولي. قال: ورمقته، حتى إذا نام أقبلت على حماره، فاستقته، حتى إذا برزت به، قطعت طرف ذنبه وأذنيه، وأخذت الحمار، فخبأته وأبصرته حين استيقظ من نومه، فقام يطلب الحمار، ويقفوا أثره، فبينا


(١) في س: فخرجت.

(٢) أرض ملساء بين مكة والبصرة.

(٣) في هج: «لعلي الآن قد أفيق فألحقهم».

(٤ - ٤) تكملة من هد، هج.