كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عبد بني الحسحاس

صفحة 478 - الجزء 22

  فلما استردّوه نشب يقول الشعر في نسائهم، فأخبرني من رآه واضعا إحدى رجليه على الأخرى يقرض الشعر ويشبّب بأخت مولاه وكانت عليلة، ويقول:

  ماذا يريد السقام من قمر ... كلّ جمال لوجهه تبع!

  ما يرتجى خاب من محاسنها ... آماله في القباح متّسع!

  غيّر من لونها وصفرها ... فزيد⁣(⁣١) فيه الجمال والبدع

  لو كان يبغي الفداء قلت له: ... ها أنا دون الحبيب يا وجع

  أخبرني محمد بن خلف قال: حدثنا أبو بكر العامريّ، عن عليّ بن المغيرة الأثرم قال: قال أبو عبيدة:

  الذي تناهى إلينا من حديث سحيم عبد بني الحسحاس أنه جالس نسوة من بني صبير بن يربوع، وكان من شأنهم إذا جلسوا للتغزّل أن يتعابثوا بشقّ الثياب وشدّة المغالبة على إبداء المحاسن، فقال سحيم:

  كأن الصّبيريّات يوم لقيننا ... ظباء حنت أعناقها⁣(⁣٢) في المكانس

  فكم قد شققنا من رداء منيّر⁣(⁣٣) ... ومن برقع عن طفلة غير ناعس

  / إذا شقّ برد شقّ بالبرد برقع⁣(⁣٤) ... على ذاك⁣(⁣٥) حتى كلَّنا غير لابس

  فيقال: إنه لما قال هذا الشعر أتّهمه مولاه، فجلس له في مكان كان إذا رعى نام فيه، فلما اضطجع تنفّس الصّعداء، ثم قال:

  يا ذكرة مالك في الحاضر ... تذكرها وأنت في الصادر

  من كل بيضاء لها كفل⁣(⁣٦) ... مثل سنام البكرة المائر

  قال: فظهر سيّده من الموضع الذي كان فيه كامنا، وقال له: مالك؟ فلجلج في منطقه، فاستراب به، فأجمع على قتله، فلما ورد الماء خرجت إليه صاحبته، فحادثته، وأخبرته بما يراد به، فقام ينفض ثوبه ويعفى أثره، ويلقط رضّا من⁣(⁣٧) مسكها⁣(⁣٨) كان كسرها في لعبه معها، وأنشأ يقول:

  صوت

  /

  أتكتم حييتم على النأي تكتما ... تحية من أمسى بحبّك مغرما


(١) في س، ب: «فارتد».

(٢) كذا في «الديوان» وفي س، ب:

«حنت أعناقهم المكانس»

وفيه الأقواء حينئذ.

(٣) كذا في «الديوان» وفي س، ب: «مزنر»، ومعنى منير: له نير، أي علم الثوب.

(٤) في س، ب:

«نيط بالبرد برقع»

(٥) في «الديوان»: «دواليك» وبهذه الرواية يستشهد النحويون في باب المصدر الموضوع موضع الحال المثنى المضاف إلى ضمير المخاطب.

(٦) في «الديوان»: «كعشب» وما هنا أعلى.

(٧) رضا: كسرا.

(٨) مسكها: من سوارها أو خلخالها.