كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عبد بني الحسحاس

صفحة 479 - الجزء 22

  وما تكتمين إن أتيت دنيّة ... ولا إن ركبنا يا بنة القوم محرما

  ومثلك قد أبرزت من خدر أمها ... إلى مجلس تجرّ بردا مسّهما⁣(⁣١)

  الغناء للغريض ثقيل أول بالوسطى وفيه ليحيى المكي ثاني ثقيل، قال:

  وماشية مشى القطاة اتّبعتها ... من الستر تخشى أهلها أن تكلَّما

  / فقالت: صه يا ويح غيرك إنني ... سمعت حديثا بينهم يقطر الدّما

  فنفضت ثوبيها ونظَّرت حولها ... ولم أخش هذا الليل أن يتصرّما

  أعفّى بآثار الثياب مبيتها ... وألقط رضّا من وقوف⁣(⁣٢) تحطَّما

  قال: وغدوا به ليقتلوه، فلما رأته امرأة كانت بينها وبينه مودّة ثم فسدت، ضحكت به شماتة فنظر إليها وقال:

  فإن تضحكي مني فيا ربّ ليلة ... تركتك فيها كالقباء المفرّج

  فلما قدّم ليقتل قال:

  شدّوا وثاق العبد لا يفلتكم ... إن الحياة من الممات قريب

  فلقد تحدّر من جبين فتاتكم ... عرق على متن الفراش وطيب

  يحرق في أخدود

  قال: وقدّم فقتل. وذكر ابن دأب أنه حفر له أخدود، وألقي فيه، وألقي عليه الحطب فأحرق.

  أصابهن كلهن إلا واحدة

  أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال: حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه، عن المدائني عن أبي بكر الهذليّ قال:

  كان عبد بني الحسحاس يسمّى حيّة، وكان لسيّده بنت بكر، فأعجبها، فأمرته أن يتمارض، ففعل وعصب رأسه. فقالت للشيخ: أسرح أيها الرجل إبلك، ولا تكلها إلى العبد، فكان فيها أياما، ثم قال له: كيف تجدك؟

  قال: صالحا، قال: فرح في إبلك العشيّة، فراح فيها، فقالت الجارية لأبيها: ما أحسبك إلا قد ضيّعت إبلك العشية، أن وكلتها إلى حيّة، فخرج في آثار إبله فوجده مستلقيا في ظل شجرة، وهو يقول:

  /

  يا ربّ شجو لك في الحاضر ... تذكرها وأنت في الصادر

  من كل حمراء جماليّة⁣(⁣٣) ... طيّبة القادم والآخر

  فقال الشيخ: إن لهذا لشأنا، وانصرف، ولم يره وجهه. وأتى أهل الماء، وقال لهم: تعلَّموا واللَّه أن هذا العبد قد فضحنا، وأخبرهم الخبر، وأنشدهم ما قال، فقالوا: اقتله، فنحن طوعك، فلما جاءهم وثبوا عليه، فقالوا له:


(١) مسهما: فيه صورة السهم.

(٢) وقوف: جمع وقف أي، سوار من ذبل أو عاج.

(٣) جمالية: جميلة.