أخبار عبد بني الحسحاس
  وما تكتمين إن أتيت دنيّة ... ولا إن ركبنا يا بنة القوم محرما
  ومثلك قد أبرزت من خدر أمها ... إلى مجلس تجرّ بردا مسّهما(١)
  الغناء للغريض ثقيل أول بالوسطى وفيه ليحيى المكي ثاني ثقيل، قال:
  وماشية مشى القطاة اتّبعتها ... من الستر تخشى أهلها أن تكلَّما
  / فقالت: صه يا ويح غيرك إنني ... سمعت حديثا بينهم يقطر الدّما
  فنفضت ثوبيها ونظَّرت حولها ... ولم أخش هذا الليل أن يتصرّما
  أعفّى بآثار الثياب مبيتها ... وألقط رضّا من وقوف(٢) تحطَّما
  قال: وغدوا به ليقتلوه، فلما رأته امرأة كانت بينها وبينه مودّة ثم فسدت، ضحكت به شماتة فنظر إليها وقال:
  فإن تضحكي مني فيا ربّ ليلة ... تركتك فيها كالقباء المفرّج
  فلما قدّم ليقتل قال:
  شدّوا وثاق العبد لا يفلتكم ... إن الحياة من الممات قريب
  فلقد تحدّر من جبين فتاتكم ... عرق على متن الفراش وطيب
  يحرق في أخدود
  قال: وقدّم فقتل. وذكر ابن دأب أنه حفر له أخدود، وألقي فيه، وألقي عليه الحطب فأحرق.
  أصابهن كلهن إلا واحدة
  أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال: حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه، عن المدائني عن أبي بكر الهذليّ قال:
  كان عبد بني الحسحاس يسمّى حيّة، وكان لسيّده بنت بكر، فأعجبها، فأمرته أن يتمارض، ففعل وعصب رأسه. فقالت للشيخ: أسرح أيها الرجل إبلك، ولا تكلها إلى العبد، فكان فيها أياما، ثم قال له: كيف تجدك؟
  قال: صالحا، قال: فرح في إبلك العشيّة، فراح فيها، فقالت الجارية لأبيها: ما أحسبك إلا قد ضيّعت إبلك العشية، أن وكلتها إلى حيّة، فخرج في آثار إبله فوجده مستلقيا في ظل شجرة، وهو يقول:
  /
  يا ربّ شجو لك في الحاضر ... تذكرها وأنت في الصادر
  من كل حمراء جماليّة(٣) ... طيّبة القادم والآخر
  فقال الشيخ: إن لهذا لشأنا، وانصرف، ولم يره وجهه. وأتى أهل الماء، وقال لهم: تعلَّموا واللَّه أن هذا العبد قد فضحنا، وأخبرهم الخبر، وأنشدهم ما قال، فقالوا: اقتله، فنحن طوعك، فلما جاءهم وثبوا عليه، فقالوا له:
(١) مسهما: فيه صورة السهم.
(٢) وقوف: جمع وقف أي، سوار من ذبل أو عاج.
(٣) جمالية: جميلة.