نسب عمرو ذي الكلب وأخباره
  فدخل غارا في السّد، فلما ظهروا للسّدّ علموا أنه في الغار فنادوه، فقالوا: يا عمرو، قال: ما تشاؤن؟ قالوا:
  اخرج، قال: فلم دخلت إذن؟ قالوا: بلى، فأخرج، قال: لا أخرج، قالوا: فأنشدنا قولك:
  ومقعد كربة قد كنت منها(١) ... مكان الإصبعين من القبال(٢)
  قال: ها هي ذه أنا فيها. قال: وعنّ له رجل من القوم، فرماه عمرو فقتله، فقالوا: أقتلته يا عدوّ اللَّه؟ أجل، ولقد بقيت معي أربعة أسهم كأنها أنياب أمّ جليحة لا تصلون إليّ أو أقتل بكل سهم منها رجلا منكم، فقالوا لعبدهم: يا أبا نجاد، أدخل عليه، وأنت حرّ، فتهيأ للدخول أبو نجاد عليه، فقال له عمرو: ويلك! يا أبا نجاد، ما ينفعك أن تكون حرّا إذا قتلتك؟ فنكص(٣) عنه، فلما رأوا ذلك صعدوا، فنقبوا عليه، ثم رموه حتى قتلوه، وأخذوا سلبه، فرجعوا به إلى / أم جليحة وهي تتشوّف، فلما رأوها قال لها: يا أمّ جليحة، ما رأيك في عمرو، قالت:
  رأيي واللَّه أنكم طلبتموه سريعا، ووجدتموه منيعا(٤)، ووضعتموه صريعا؟ فقالوا: واللَّه لقد قتلناه، فقالت: واللَّه / ما أراكم فعلتم، ولئن كنتم فعلتم، لربّ ثدي منكم قد افترشه، وضبّ قد احترشه(٥)، فطرحوا إليها ثيابه، فأخذتها، فشمّتها، فقالت: ريح عطر وثوب عمرو، أما واللَّه ما وجدتموه ذا حجزة(٦) جافية، ولا عانة وافية، ولا ضالة(٧) كافية.
  أخته ترثيه
  وقالت ريطة أخت عمر وذي الكلب ترثيه:
  كلّ امرئ لمحال(٨) الدهر مكروب ... وكلّ من غالب الأيام مغلوب
  وكلّ حيّ وإن غزوا وإن سلموا ... يوما طريقهم في الشّرّد عبوب(٩)
  أبلغ هذيلا وأبلغ من يبلَّغها ... عنّي رسولا وبعض القول تكذيب
  بأنّ ذا الكلب عمرا خيرهم نسبا ... ببطن شريان يعوي حوله الذيب(١٠)
  الطاعن الطعنة النجلاء يتبعها ... مثعنجر(١١) من نجيع الجوف أسكوب(١٢)
(١) في س، ب: «فيها».
(٢) القبال، ككتاب: الزمام في النعل بين الإصبع الوسطى والتي تليها.
(٣) في س، ب: «نكصوا».
(٤) في س، ب: «تبيعا».
(٥) احترشه: صاده، وذلك بأن يحرك يده على باب جحره ليظنها حية، فيخرج ذنبه ليضربها فيأخذه.
(٦) الحجزة: موضع التكة من الإزار وهذا كناية عن عفته.
(٧) المراد بها السلاح كله على سبيل الاتساع.
(٨) محال: قوة، ويروى بطوال الدهر بمعنى طويل، ويروى بخوال الدهر أي بغيره وصروفه.
(٩) ف «مكذوب» مأخوذ من كذبته نفسه إذا منته الأماني، والدعبوب: الطريق الموطوء.
(١٠) موضع أو واد باليمن يقال إن به قبر عمرو.
(١١) مثعنجر: سائل.
(١٢) أسكوب: منسكب أو مسكوب.