كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب عمرو ذي الكلب وأخباره

صفحة 507 - الجزء 22

  فدخل غارا في السّد، فلما ظهروا للسّدّ علموا أنه في الغار فنادوه، فقالوا: يا عمرو، قال: ما تشاؤن؟ قالوا:

  اخرج، قال: فلم دخلت إذن؟ قالوا: بلى، فأخرج، قال: لا أخرج، قالوا: فأنشدنا قولك:

  ومقعد كربة قد كنت منها⁣(⁣١) ... مكان الإصبعين من القبال⁣(⁣٢)

  قال: ها هي ذه أنا فيها. قال: وعنّ له رجل من القوم، فرماه عمرو فقتله، فقالوا: أقتلته يا عدوّ اللَّه؟ أجل، ولقد بقيت معي أربعة أسهم كأنها أنياب أمّ جليحة لا تصلون إليّ أو أقتل بكل سهم منها رجلا منكم، فقالوا لعبدهم: يا أبا نجاد، أدخل عليه، وأنت حرّ، فتهيأ للدخول أبو نجاد عليه، فقال له عمرو: ويلك! يا أبا نجاد، ما ينفعك أن تكون حرّا إذا قتلتك؟ فنكص⁣(⁣٣) عنه، فلما رأوا ذلك صعدوا، فنقبوا عليه، ثم رموه حتى قتلوه، وأخذوا سلبه، فرجعوا به إلى / أم جليحة وهي تتشوّف، فلما رأوها قال لها: يا أمّ جليحة، ما رأيك في عمرو، قالت:

  رأيي واللَّه أنكم طلبتموه سريعا، ووجدتموه منيعا⁣(⁣٤)، ووضعتموه صريعا؟ فقالوا: واللَّه لقد قتلناه، فقالت: واللَّه / ما أراكم فعلتم، ولئن كنتم فعلتم، لربّ ثدي منكم قد افترشه، وضبّ قد احترشه⁣(⁣٥)، فطرحوا إليها ثيابه، فأخذتها، فشمّتها، فقالت: ريح عطر وثوب عمرو، أما واللَّه ما وجدتموه ذا حجزة⁣(⁣٦) جافية، ولا عانة وافية، ولا ضالة⁣(⁣٧) كافية.

  أخته ترثيه

  وقالت ريطة أخت عمر وذي الكلب ترثيه:

  كلّ امرئ لمحال⁣(⁣٨) الدهر مكروب ... وكلّ من غالب الأيام مغلوب

  وكلّ حيّ وإن غزوا وإن سلموا ... يوما طريقهم في الشّرّد عبوب⁣(⁣٩)

  أبلغ هذيلا وأبلغ من يبلَّغها ... عنّي رسولا وبعض القول تكذيب

  بأنّ ذا الكلب عمرا خيرهم نسبا ... ببطن شريان يعوي حوله الذيب⁣(⁣١٠)

  الطاعن الطعنة النجلاء يتبعها ... مثعنجر⁣(⁣١١) من نجيع الجوف أسكوب⁣(⁣١٢)


(١) في س، ب: «فيها».

(٢) القبال، ككتاب: الزمام في النعل بين الإصبع الوسطى والتي تليها.

(٣) في س، ب: «نكصوا».

(٤) في س، ب: «تبيعا».

(٥) احترشه: صاده، وذلك بأن يحرك يده على باب جحره ليظنها حية، فيخرج ذنبه ليضربها فيأخذه.

(٦) الحجزة: موضع التكة من الإزار وهذا كناية عن عفته.

(٧) المراد بها السلاح كله على سبيل الاتساع.

(٨) محال: قوة، ويروى بطوال الدهر بمعنى طويل، ويروى بخوال الدهر أي بغيره وصروفه.

(٩) ف «مكذوب» مأخوذ من كذبته نفسه إذا منته الأماني، والدعبوب: الطريق الموطوء.

(١٠) موضع أو واد باليمن يقال إن به قبر عمرو.

(١١) مثعنجر: سائل.

(١٢) أسكوب: منسكب أو مسكوب.