كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي شراعة ونسبه

صفحة 28 - الجزء 23

  أجلك، وأستعيذه من الآفات لك، وأستعينه على شكر ما وهب من النّعمة فيك، إنه لذلك وليّ، وبه مليّ. أتلقى غلامك المليح قدّه، السعيد بملكك جدّه بكتاب قرأته غير مستكره اللفظ، ولا مزورّ عن القصد، ينطق بحكمتك، ويبين عن فضلك، فو اللَّه ما أوضح لي خفيّا، ولا رادني بك علما، وإذا أنت تسأل فيه أن تهب، وتحبّ أن تحمد، ولا غرو⁣(⁣١) أن تفعل ذلك، ومن كثب أخذته، لا عن كلالة وغير كلالة ورثته، موسى أبوك، وسعيد جدّك، وعمرو عمك، ولك دار الصّلة، ودار الضيافة، وصاحب البغلة الشّهباء⁣(⁣٢) وحصين بن الحمام وعروة بن الورد، ففي أيّ غلوات⁣(⁣٣) المجد يطمع قرينك أن يستولى على المدى، والأمد دونك. وكتابك إليّ أن أتحكَّم عليك تحكَّم الصبي على أهله، فلشدّ ما جررت إليّ معروفك، ودللت على الأنس بك، وحاشى للمحكوم له والمحكوم عليه في ذات الحسب العتيق، والمنظر الأنيق الذي يسرّ القلب، ويلائم الرّوح، ويطرد الهمّ:

  تدبّ خلال شؤون الفتى ... دبيب دبى النّملة المنتعش⁣(⁣٤)

  إذا فتحت فقمت ريحها ... وإن سيل خمّارها قال: خش

  / - خش: كلمة فارسية تفسيرها: طيّب -.

  فإن كنت رعيت لها عهدا، وحفظت لها عندك يدا، فانظر ربّ الحانوت فامطله دينه، واقطع السبب بينك وبينه، فقد أساء صحبتها، وأفسد بالماء حسّها، وسلَّط عليها عدوّها، واعلم بأن أباك المتمثّل بقوله:

  يرى درجات المجد لا يستطيعها ... فيقعد وسط القوم لا يتكلم

  وقد بسطت قدرتك لسانك، وأكثرت لك الحمد، فدونك نهزة البديهة منه:

  وبادر بمعروف إذا كنت قادرا ... زوال افتقار أو غنى عنك يعقب⁣(⁣٥)

  وقد بعثت إليك بقرابة⁣(⁣٦) مع الرسول، وأنشأت في أثرها أقول:

  إليك ابن موسى الجود أعملت ناقتي ... مجلَّلة يضفو عليها جلالها⁣(⁣٧)

  كتوم الوحي لا تشتكي ألم السّرى ... سواء عليها موتها واعتلالها

  إذا شربت أبصرت ما جوف بطنها ... وإن ظمئت لم يبد منها هزالها

  وإن حملت حملا تكلَّفت حملها ... وإن حطَّ عنها لم أقل كيف حالها؟⁣(⁣٨)

  بعثنا بها تسمو العيون وراءها ... إليك وما يخشى عليها كلالها

  / وغنّى مغنّينا بصوت فشافني ... متى راجع من أم عمرو خيالها


(١) لا غرر: لا عجب.

(٢) الشهبة: بياض يخالطه سواد.

(٣) غارات: جمع غارة: أي قدر رمية سهم أبعد ما يندر عليه.

(٤) دبى النملة: أصغر النمل والجراد.

(٥) في ف: «منك» بدل «عنك».

(٦) ما يقرب من قدرك، وفي بعض النسخ «بقرافة»، أي رجاحة.

(٧) مجللة: لابسة جلها وهو ما تلبسه الدابة لتصان به.

(٨) كذا في ف وفي س، ب: «لم أبل» بدل «لم أقل».