كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار ابن البواب

صفحة 33 - الجزء 23

  قال: فقال المأمون: أليس هو القائل:

  أعينيّ جودا وابكيا لي محمّدا ... ولا تدخرا دمعا عليه وأسعدا⁣(⁣١)

  فلا فرح المأمون بالملك بعده ... ولا زال في الدّنيا طريدا مشرّدا!

  هيهات، وواحدة بواحدة! ولم يصله بشيء.

  نزاع بينه وبين إسحاق:

  هكذا روى عن الحسين⁣(⁣٢) بن الضحاك. وقد روى أن هذين الشعرين جميعا للحسين، وأن قول المأمون هذا بعينه فيه.

  وقال أحمد بن القاسم حدّثني جزء بن قطن. وأخبرني بهذا الخبر الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق، قالا جميعا: وقع بين إسحاق وبين ابن البواب شرّ فقال ابن البواب شعرا ذميما رديئا، ونسبه إلى إسحاق وأشاعه ليعيّره به وهو:

  إنما أنت يا عنان سراج ... زيته الظَّرف والفتيلة عقل

  قاده للشقاء مني فؤادي ... رجل حبّ لكم وللحبّ رجل⁣(⁣٣)

  هضم اليوم حبّكم كلّ حبّ ... في فؤادي فصار حبّك فجل

  أنت ريحانة وراح ولكن ... كلّ أنثى سواك خلّ وبقل⁣(⁣٤)

  / وقال حماد في خبره وبلغ ذلك أبي فقال له:

  الشعر قد أعيا عليك فخلَّه ... وحذ العصا واقعد على الأبواب

  فجاء ابن البواب إلى إبراهيم جدّي فشكا أبي إليه فقال له: ما لك وله يا بنيّ؟ فقال له أبي: تعرّض لي فأجبته، وإن كفّ لم أرجع إلى مساءته. فتتاركا.

  يهوى جارية اسمها عبادة:

  قال أحمد بن القاسم: أخبرني محمد بن الحسن بن الفضل قال: أخبرني: إبراهيم بن أحمد بن عبد الرحيم قال:

  كان بالكرخ نخّاس يكنى أبا عمير، وكان له جوار قيان لهنّ ظرف وأدب، وكان عبد اللَّه بن محمد البواب يألف جارية منهنّ يقال لها: عبّادة، ويكثر غشيان منزل أبي عمير من أجلها، فضاق ضيقة شديدة، فانقطع عن ذلك، وكره أن يقصّر عما كان يستعمله من برّهم فتعلم بضيقته، ثم نازعته نفسه إلى لقائها وزيارتها، وصعب عليه الصبر عنها، فأتاه فأصاب في منزله جماعة ممن كان يألف جواريه، فرحّب به أبو عمير والجارية والقوم جميعا، واستبطئوا


(١) في هج: «ولا تحزنا» بدل «ولا تدخرا».

(٢) كذا في ف وفي س، ب: الحسن بدل «الحسين».

(٣) في س، ب: «رجل فتى».

(٤) في: هج «وروح» بدل «وراح».