كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار محمد بن عبد الملك الزيات ونسبه

صفحة 39 - الجزء 23

  ينصف خصمه من نفسه:

  فحدّثني / عمي | قال: حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك قال:

  جلس أبي يوما للمظالم، فلما انقضى المجلس رأى رجلا جالسا، فقال له: ألك حاجة؟ قال: نعم تدنيني إليك؛ فإني مظلوم. فأدناه، فقال: إني مظلوم، وقد أعوزني الإنصاف، قال: ومن ظلمك؟ قال: أنت، ولست أصل إليك؛ فأذكر حاجتي؟ قال: ومن يحجبك عني وقد ترى مجلسي مبذولا؟ قال: يحجبني عنك هيبتي لك وطول لسانك؛ وفصاحتك، واطراد حجتك، قال: ففيم ظلمتك؟ قال: ضيعتي الفلانية أخذها وكيلك غصبا بغير ثمن، فإذا وجب عليها خراج أدّيته باسمي لئلا يثبت لك اسم⁣(⁣١) بملكها، فيبطل ملكي، فوكيلك يأخذ غلَّتها، وأنا أؤدي خراجها، وهذا مما لم يسمع في الظلم مثله، فقال محمد: هذا قول تحتاج عليه إلى بيّنة وشهود وأشياء، فقال له الرجل: أيؤمنني الوزير من غضبه، حتى أجيب؟ قال: قد أمّنتك، / قال: البينة هم الشهود، وإذا شهدوا فليس يحتاج معهم إلى شيء، فما معنى قولك: بيّنة وشهود وأشياء، أيش هذه الأشياء إلَّا العيّ والحصر والتغطرس؟⁣(⁣٢) فضحك، وقال: صدقت، والبلاء موكَّل بالمنطق، وإني لأرى فيك مصطنعا، ثم وقّع له بردّ ضيعته وبأن يطلق له كرّ حنطة⁣(⁣٣) وكر شعير ومائة دينار يستعين بها على عمارة ضيعته، وصيّره من أصحابه، واصطنعه.

  يهدد إبراهيم بن المهدي:

  أخبرني الصّوليّ: قال: حدّثني أحمد بن محمد الطالقانيّ⁣(⁣٤) قال: حدّثني عبيد اللَّه بن محمد بن عبد الملك قال:

  لمّا وثب إبراهيم بن المهديّ على الخلافة، اقترض من مياسير التّجّار مالا، فأخذ من جدّي عبد الملك عشرة آلاف درهم⁣(⁣٥)، وقال له: أنا أردّها إذا جاءني مال، ولم يتم أمره فاستخفى، ثم ظهر ورضي عنه المأمون، فطالبه الناس بأموالهم، فقال: إنما أخذتها للمسلمين، وأردت قضاءها من فيئهم، والأمر الآن إلى غيري، فعمل أبي محمد بن عبد الملك قصيدة يخاطب فيها المأمون، ومضى بها إلى إبراهيم بن المهديّ، فأقرأه⁣(⁣٦) إياها وقال: واللَّه لئن لم تعطني المال الذي اقترضته من أبي لأوصلنّ هذه القصيدة إلى المأمون، فخاف أن يقرأها المأمون، فيتدبّر ما قاله، فيوقع به، فقال له: خذ مني بعض المال، ونجّم عليّ بضعه، ففعل أبي ذلك بعد أن حلَّفه إبراهيم بأوكد الأيمان ألَّا يظهر القصيدة في حياة المأمون، فوفّى له أبي بذلك، ووفّى إبراهيم بأداء المال كله.

  والقصيدة قوله:

  /

  ألم تر أن الشيء للشيء علَّة ... تكون له كالنار تقدح بالزّند


(١) كذا في ف و «الديوان» وفي س، ب: «اسم في ملكها».

(٢) التغطرس: التعامي عن الشيء.

(٣) كر حنطة: أربعون أردبا.

(٤) الطالقاني نسبة إلى طالقان، وهي بلدتان إحداهما بخراسان بين مرو الروز وبلخ، والأخرى بين قزوين وأبهر، وضبطها ياقوت بفتح اللام.

(٥) في ف: «دينار».

(٦) في س، ب: «فأقرأها» إياه.