كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار محمد بن عبد الملك الزيات ونسبه

صفحة 56 - الجزء 23

  كلام، قال: فحسده محمد بن عبد الملك، وقال له: من أين لك هذا العلم يا أبا محمد؟ قال: إني كنت أستصحب من أهل كل صنعة رؤساء أهلها، وأتعلم منهم، ثم لا أرضى إلا ببلوغ الغاية، فقال له محمد - وكان حسودا: ومتى كان ذلك؟ قال: في زمان قلت فيّ:

  فأين لا أين وأنّى مثلكم ... أنتم الأملاك والناس خول⁣(⁣١)

  فخجل محمد بن عبد الملك، وأطرق، وعدل عن الجواب.

  عسى أمور بعد ذلك تكون:

  أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدّثني حمّاد بن إسحاق قال: حدّثني ميمون بن هارون بن خلف قال:

  / كنت أسير بالقرب من محمد بن عبد الملك الزيات، وهو يريد يومئذ منزله، حتى مرّ بدار إبراهيم بن رباح، فرأى فيها قبة مشيدة، فقال:

  أما القباب فقد أراها شيّدت ... وعسى أمور بعد ذاك تكون

  عبد عرت منه خلائق جهله ... إذ راح وهو من الثّراء سمين⁣(⁣٢)

  فما كان إلا أيّام حتى أوقع به.

  ابن أبي دواد يكيد له:

  أخبرني عمي قال: حدّثني الحسن بن عليّ بن عبد الأعلى عن أبيه، قال:

  كان الواثق قد أصلح بين محمد بن عبد الملك الزيات وبين أحمد بن أبي دواد، فكفّ محمد عن ذكره، وجعل ابن أبي دواد يخلو بالواثق، ويغريه به، حتى قبض عليه، وكان فيما بلغه عنه أنه قد عزم على الفتك به والتدبير عليه. فقبض الواثق عليه، ثم أطلقه بعد مدة، ثم وزر للمتوكل، وكان محمد بن عبد الملك أشار بابن الواثق، وأشار ابن أبي دواد بالمتوكل، وقام وقعد في أمره حتى ولَّى، وعمّمه بيده، وألبسه البردة، وقبّل بين عينيه، وكان المتوكَّل قبل ذلك يدخل على محمد بن عبد الملك في حياة الواثق يشكو إليه جفاءه له فيتجهّمه محمد، ويغلظ له الردّ، إلى أن قال يوما بحضرته: ألا تعجبون إلى هذا العاصي، يعادي أمير المؤمنين، ثم يسألني أن أصلح له قلبه! اذهب، ويلك فأصلح نفسك له، حتى يصلح لك قلبه. فكان موقع ذلك يحسن عند الواثق، فدخل إليه يوما، وقد كان قال للواثق: إن جعفرا يدخل إليّ وله شعر قفا وطرّة مثل النساء، فقد فضحك فأمره بأن يحلقهما، ويضرب بشعرهما وجهه، فلما دخل إليه المتوكل فعل ذلك به، وتجهّمه بالقبيح، فلما ولي الخلافة خشي إن نكبه عاجلا أن يستتر أسبابه⁣(⁣٣) فتفوته بغيته فيه، فاستوزره وخلع عليه، وجعل ابن أبي دواد يغريه به ويجد عنده لذلك موقعا / واستماعا، حتى قبض عليه وقتله، فلم يجد له من أملاكه كلَّها من عين وورق وأثاث وضيعة إلَّا ما كانت


(١) ارجع إلى ما كتبه من هذا البيت في التعليقة السابقة.

(٢) في هج: «نزت» بدل «عرت».

(٣) هكذا في النسخ التي بين أيدينا. ونرجح أن ثمة تحريفا، ولعل العبارة: «خشي إن نكبه عاجلا أن يستثير أحبابه».