أخبار أبي حشيشة
  صوت
  حرمت بذل نوالك ... واسوأتا من فعالك!
  لما مللت وصالي ... آيستني من وصالك
  المعتمد يهب له مائتي دينار:
  فوهب له مائتي دينار.
  واللحن رمل مطلق.
  عريب تفضله على علوية ومخارق:
  أخبرني جحظة فيما قرأته عليه، قال: حدّثني ابن نوبخت: يعني عليّ بن العباس قال:
  رأيته وقد حضرت عريب عند ابن المدبر، وهو يغنّي، فقالت له عريب: أحسنت يا أبا جعفر، ولو عاش الشّيخان ما قلت لهما هذا - تعني علوية ومخارقا.
  مائتا سوط إن تكلم:
  حدّثني أبو حشيشة، قال: هجم عليّ خادم أسود، فقال لي: البس ثيابك، فعلمت أن هذا لا يكون إلا عن أمر خليفة أو أمير، فلم أراجعه، حتى لبست ثيابي، فمضيت معه فعبر بي الجسر، وأدخلني إلى دار لا أعرفها، ثم اجتاز بي في رواق فيه حجر تفوح منهنّ رائحة الطعام والشراب، فأدخلت منهنّ إلى حجرة مفروشة، وجاءني بمائدة كأنها جزعة يمانية قد نشرت في عراصها الحبرة(١)، فأكلت وسقاني رطلين وجاءني بصندوق ففتحه فإذا فيه طنابير، فقال لي: اختر، فاخترت واحدا، وأخذ بيدي، فأدخلني إلى دار فيها سمّاعة(٢) وفيها رجلان على أحدهما قباء غليظ، وعلى الآخر ثياب ملحم(٣) وخزّ، فقال لي صاحب الخزّ: اجلس، فجلست، فقال: أكلت وشربت؟ فقلت: نعم.
  قال: عندنا؟ قلت: نعم، قال: تغنّي ما نقول لك؟ فقلت له: قل، فقال: تغنّي بصنعتك:
  /
  يا كثير الإقبال والانصراف(٤) ... وملولا ولو أشأ قلت خاف
  وهو رمل مطلق، فغنّيته إياه، وجعل يطلب مني صوتا بعد صوت من صنعتي، فأغنّيه، ويستعيده، ويشرب هو والرجل، وأسقى بالأنصاف المختوته(٥) إلى أن صلوا العشاء الآخرة، وهم لا يشربون إلا على الصوت الأول لا يريدون غيره، ثم أومأ إليّ الخادم: قم، فقمت، فقال لي صاحب القباء منهما: أتعرفني؟ قلت: لا واللَّه، قال: أنا إسحاق بن إبراهيم الطاهريّ، وهذا محمد بن راشد الخنّاق، واللَّه لئن بلغني أنك تقول: إنك رأيتني لأضربنّك مائتي سوط، انصرف. فخرجت ودفع إلى الخادم ثلاثمائة دينار، فجهدت أن يقبل منها شيئا على سبيل البرّ، فما فعل.
(١) الحبرة كناية عن ألوان الطعام الشهية البراقة.
(٢) لعل المراد بها السامعون كالنظارة بمعنى الناظرين.
(٣) ملحم، كمكرم: جنس من الثياب ولعله المبطن.
(٤) يجب قطع همزة الانصراف لإقامة الوزن.
(٥) المختوته: الناقصة.