كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي حشيشة

صفحة 61 - الجزء 23

  حدّثني جحظة قال: حدّثني أبو حشيشة: قال:

  وجّه إليّ إسحاق بن إبراهيم الطاهريّ، فصرت إليه وهو في داره التي على طرف الخندق، فدعا بجونة⁣(⁣١)، فأكل وأكلت من ناحية، ودعا بستارة وقال: تغنّ بصنعتك:

  عاد الهوى بالكأس بردا ... فأطع إمارة من تبدّى

  وهو خفيف رمل مطلق.

  فغنّيته مرارا، ثم ضرب السّتارة، وقال: فولوه، فقالته جارية فأحسنت غاية الإحسان، فضحك ثم قال: كيف تراه؟ فقلت: قد واللَّه بغّضوه إليّ، فازداد في الضحك، وأنا أرمق جبّة خزّ خضراء كانت عليه، فقال: كم ترمق⁣(⁣٢) هذه الجبّة؟ يا غلام، كانت عشرة أثواب خزّ فقطعت منها هذه الجبّة، فهات التسعة فجيء بها، فدفعها إليّ فكنت أبيع رذالها⁣(⁣٣) بستين دينارا.

  / حدّثني جحظة قال:

  حدّثني أبو حشيشة أن بني الجنيد الإسكافيّين كانوا أوّل من اصطنعه، وأنهم كانوا يسمونه الظَّريف، وأن أول منزل ابتاعه من أموالهم إلى أن شاع خبره، وتفاقم أمره. قال: وكانوا آكل الناس، رأيت رجلا منهم، وقد أكل هو وابن عم له اثنين وعشرين رأسا كبارا، وشربا، فسكرا وناما، ثم انتبها في وقت الظَّهر، فدعوا بالطعام، فعادا إلى الأكل، ما أنكر منهما شيئا.

  المأمون أول خليفة سمعه:

  ونسخت من كتاب ألَّفه أبو حشيشة، وجمع فيه أخباره مع من عاشره، وخدم من الخلفاء، وهو كتاب مشهور، قال:

  أول من سمعني من الخلفاء المأمون، وهو بدمشق، وصفني له مخارق، فأمر بأشخاصي إليه، وأمر لي بخمسين⁣(⁣٤) ألف درهم أتجهّز بها، فلما وصلت إليه أدناني، وأعجب بي، وقال للمعتصم: هذا ابن من خدمك وخدم آبائك وأجدادك يا أبا إسحاق، جدّ هذا أمية كاتب جدّك المهديّ على كتابة السرّ وبيت المال والخاتم، وحجّ المهديّ أربع حجج كان جدّ هذا زميله فيها. واشتهى المأمون من غنائي:

  صوت

  يضرب لغنائه بشعر فيه ذكر الشيب:

  كان ينهى فنهى حين انتهى ... وانجلت عنه غيابات الصّبا

  خلع اللهو وأضحى مسبلا ... للنّهى فضل قميص وردا


(١) جونة: سلة صغيرة.

(٢) ترمن: تلحظها لحظا خفيفا.

(٣) الرذال: الدون الخسيس من كل شيء.

(٤) ف: «خمسة آلاف».